للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُنَاكَ، فَإِنَّهُ إِلَى الدَّجَاجَةِ، وَلِكُلٍّ وُجْهَةٌ تُظْهِرُ وَجْهَهُ (قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا) وَفِي نُسْخَةٍ نَتِنًا (فَقَذِرْتُهُ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ اسْتَقْذَرْتُهُ وَعَدَدْتُهُ قَذِرًا، قَالَ مِيرَكُ: وَلَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي الطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَيْضًا ; لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَحَلَفْتُ أَنْ) وَفِي نُسْخَةٍ أَنِّي (لَا أَطْعَمَهُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ لَا آكُلُهُ (أَبَدًا)

أَيْ مُدَّةَ مَا أَعِيشُ فِي الدُّنْيَا.

قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ قِصَّةَ الدَّجَاجِ عِنْدَ أَبِي مُوسَى إِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً، لَا تَخْلُو عَنْ إِشْكَالٍ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَوْرَدَهُمَا الْمُصَنِّفُ، إِذِ الْأَوْلَى بِظَاهِرِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اعْتِذَارَ الرَّجُلِ عَنْ تَنَحِّيهِ مِنَ الْقَوْمِ، مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي مُوسَى إِيَّاهُ: ادْنُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ بِظَاهِرِهَا يَدُلُّ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْرِفَ إِحْدَاهُمَا عَنِ الظَّاهِرِ، تَدَبَّرْ.

قُلْتُ: تَدَبَّرْنَا وَوَجَدْنَا الْقِصَّةَ وَاحِدَةً، فَدَبَّرْنَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِتَعَدُّدِ قَوْلِهِ: ادْنُ، بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ ; لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ حِينَ تَنَحَّى: ادْنُ مَا لَكَ، أَوْ مَا لَكَ ادْنُ، كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، وَلَمَّا تَعَلَّلَ بِمَا تَعَلَّلَ، قَالَ لَهُ: ادْنُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ هَذَا.

وَفِي تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَمِنْ جَهَلَةِ الصُّوفِيَّةِ مَنْ يُقَلِّلُ الْمَطْعَمَ، وَأَكْلَ الدَّسَمِ حَتَّى يَيْبَسَ بَدَنُهُ، وَيُعَذِّبَ نَفْسَهُ بِلُبْسِ الصُّوفِ، وَيَمْتَنِعَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ، وَمَا هَذِهِ طَرِيقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا طَرِيقُ صَحَابَتِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَجُوعُونَ إِذَا لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، فَإِذَا وَجَدُوا أَكَلُوا، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ وَيُحِبُّهُ، وَيَأْكُلُ الدَّجَاجَ وَيُحِبُّ الْحَلْوَاءَ، وَيُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ الْبَارِدُ، فَإِنَّ الْمَاءَ الْحَارَّ يُؤْذِي الْمَعِدَةَ وَلَا يَرْوِي.

وَكَانَ رَجُلٌ يَقُولُ: لَا آكُلُ الْخَبِيصَ ; لِأَنِّي لَا أَقُومُ بِشُكْرِهِ، فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هَذَا رَجُلٌ أَحْمَقٌ، وَهَلْ يَقُومُ بِشُكْرِ الْمَاءِ الْبَارِدِ، وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا سَافَرَ حَمَلَ مَعَهُ فِي سُفْرَتِهِ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ، وَالْفَالَوْذَجَ، انْتَهَى.

وَمَحْمَلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا وَمِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ.

وَقَالَ السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذْلِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ: الَّذِي يَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ مِنْ وَسَطِ قَلْبِهِ، يَعْنِي مَرْتَبَةَ الشُّكْرِ، أَتَمُّ مِنْ حَالَةِ الصَّبْرِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُورِثُ الْمَحَبَّةَ، نَعَمْ. إِذَا لَمْ يُوجَدْ فَمَقَامُهُ الصَّبْرُ، وَبِهِمَا يَتِمُّ مَقَامُ الرِّضَى بِالْقَضَاءِ، وَهُوَ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ وَيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ

(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ) قِيلَ: اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ دِرْهَمٍ (الزُّبَيْرِيُّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ (وَأَبُو نُعَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ (قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ عَطَاءٌ) فِي التَّقْرِيبِ شَامِيٌّ أَنْصَارِيٌّ سَكَنَ السَّاحِلَ، مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي أَسِيدٍ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، هُوَ ابْنُ ثَابِتٍ الزُّرَقِيُّ، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ أَبُو أَسِيدٍ هَذَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ، وَقِيلَ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>