للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ لَهُ التَّسْمِيَةُ، فَلَا يُقَالُ ذِكْرُهُمَا يُخْرِجُ الْوَسَطَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ النِّصْفُ الْأَوَّلُ، وَبِآخِرِهِ النِّصْفُ الثَّانِي، فَلَا وَاسِطَةَ أَوْ عَلَى أَنَّهُمَا مَفْعُولَا فِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: أَكَلْتُ أَوَّلَهُ وَآكُلُ آخِرَهُ مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ، كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الطِّيبِيِّ: أَيْ أَكَلَ. بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ مُسْتَعِينًا بِهِ، قِيلَ: فَيَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ أَكْلَ أَوَّلِهِ لَيْسَ فِي زَمَانِ الِاسْتِعَانَةِ بِسْمِ اللَّهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَقْتِ أَكْلِ أَوَّلِهِ مُسْتَعِينًا بِهِ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ فِي وَقْتِ أَكْلِ أَوَّلِهِ مُسْتَعِينٌ بِهِ حُكْمًا ; لِأَنَّ حَالَ الْمُؤْمِنِ وَشَأْنَهُ هُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَى لِسَانِهِ لِنِسْيَانِهِ، وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النِّسْيَانَ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ حَالَ الذَّبْحِ مَعْفُوٌّ، مَعَ أَنَّهَا شَرْطٌ، فَكَيْفَ وَالتَّسْمِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْأَكْلِ إِجْمَاعًا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ شَارِحٍ قَالَ: فَنَسِيَ أَوْ تَرَكَ عَلَى وَجْهٍ، فَإِنَّ النَّاسِيَ مَعْذُورٌ، فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ مَا يَتَدَارَكُ بِهِ مَا فَاتَهُ، بِخِلَافِ التَّعَمُّدِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَلْحَقَ بِهِ أَئِمَّتُنَا مَا إِذَا تَعَمَّدَ أَوْ جَهِلَ أَوْ كَرِهَ انْتَهَى.

أَمَّا الْعَمْدُ فَقَدْ عَرَفْتَهُ، وَأَمَّا الْجَهْلُ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ إِذَا تَرَكَ ذِكْرَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ أَكْلِهِ جَهْلًا بِكَوْنِ التَّسْمِيَةِ سُنَّةً، فَلْيَقُلْ فِي أَثْنَائِهِ بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِذَا عَلِمَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَثْنَائِهِ، وَلَا يَخْفَى نُدْرَتُهُ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ: إِنَّ الْجَهْلَ عُذْرٌ كَالنِّسْيَانِ بِخِلَافِ

التَّعَمُّدِ فَلَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ فَأَشَدُّ مِنْهُمَا عُذْرًا، مَعَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مَنْعُهُ عَنِ الْبَسْمَلَةِ إِلَّا جَهْرًا أَوْ لِسَانًا، فَحِينَئِذٍ يَكْتَفِي بِذِكْرِ اللَّهِ قَلْبًا، فَأَيْنَ هَذَا مِنَ التَّعَمُّدِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَصِيرُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ، يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ، فَكَذَا فِي أَوَّلِ الْأَكْلِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ.

فَرْعٌ.

نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فَذَكَرَهَا فِي خِلَالِ الْوُضُوءِ، فَسَمَّى لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ، بِخِلَافِ نَحْوِهِ فِي الْأَكْلِ كَذَا فِي الْغَايَةِ، مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْوُضُوءَ عَمَلٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ فِي الْأَكْلِ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِي الْبَاقِي لِاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ، انْتَهَى.

وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَوْ سَمَّى بَعْدَ فَرَاغِ الْأَكْلِ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ، لَكِنْ لَا يَخْلُو عَنِ الْفَائِدَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَشْمَلُهُ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ، فَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِ الطَّعَامِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا شُرِعَ لِيَمْنَعَ الشَّيْطَانَ وَبِالْفَرَاغِ لَا يُمْنَعُ، مَرْدُودٌ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لِذَلِكَ فَحَسْبُ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُ شُرِعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَيْضًا لِيَقِيءَ الشَّيْطَانُ مَا أَكَلَهُ، وَالْمَقْصُودُ حُصُولُ ضَرَرِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْحَالَيْنِ، انْتَهَى.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِهَذَا الْغَرَضِ أَيْضًا لَأَمَرَ مَنْ قَعَدَ لِلْأَكْلِ، وَلَمْ يُسَمِّ سَابِقًا بِالتَّسْمِيَةِ لَاحِقًا، وَأَيْضًا فِي حَدِيثِ الِاسْتِقَاءِ تَقْيِيدٌ يُفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَثْنَاءُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ مَخْشِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَأْكُلُ فَلَمْ يُسَمِّ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلَّا لُقْمَةٌ، فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ، انْتَهَى. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَيُرَدُّ بِهِ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ أَوْ كَانَ مُلْحَقًا بِهِمْ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ.

(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ (الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا، (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ (أَنَّهُ) أَيْ عُمَرُ وَهُوَ رَبِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (طَعَامٌ فَقَالَ: ادْنُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ، أَمْرٌ مِنَ الدُّنُوِّ، أَيِ اقْرَبْ إِلَيَّ وَإِلَى الطَّعَامِ، (يَا بُنَيَّ) بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ شَفَقَةً وَاهْتِمَامًا بِحَالِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِهَا (فَسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى) أَمْرُ نَدْبٍ اتِّفَاقًا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُسَنُّ لِلْمُبَسْمِلِ الْجَهْرُ لِيُسْمِعَ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>