للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَهُ، انْتَهَى.

وَكَوْنُهُ سُنَّةً يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ صَرِيحٍ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِمْ مِنْ أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ جَهْرُهَا لِيَشْرُدَ الشَّيْطَانُ عَنْهُ ; وَلِيَتَذَكَّرَ بِهَا رَفِيقُهُ، إِنْ كَانَ هُنَاكَ أَحَدٌ (وَكُلْ بِيَمِينِكَ) قَالَ مِيرَكُ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ الثَّلَاثَةَ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلنَّدْبِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَكْلِ بِالْيَمِينِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَيُؤَيِّدُهُ وُرُودُ الْوَعِيدِ فِي الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَقَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ بَعْدُ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ تَأْكُلُ بِشِمَالِهَا، فَدَعَا عَلَيْهَا، فَأَصَابَهَا الطَّاعُونُ فَمَاتَتْ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ

عَلَى الزَّجْرِ وَالسِّيَاسَةِ، انْتَهَى.

وَوَرَدَ لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ.

وَوَرَدَ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ، رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّشَبُّهِ بِالشَّيْطَانِ، فَيُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ (وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ) أَيْ نَدْبًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: وُجُوبًا لِمَا فِيهِ مِنْ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ، وَمَزِيدِ شَرَهٍ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَانْتَصَرَ لَهُ السُّبْكِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ، وَمَوَاضِعَ مِنَ الْأُمِّ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ، أَنَّهُ يَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْ رَأْسِ الثَّرِيدِ، وَالْقِرَانُ فِي التَّمْرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا مَكْرُوهَانِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ رِضَا مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ مَرْدُودٌ، بِأَنَّ أَنَسًا كَانَ يَأْكُلُ مَعَهُ، عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَكْلَ مِمَّا يَلِي الْآكِلَ سُنَّةٌ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ، انْتَهَى.

فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ التَّتَبُّعُ الْمَذْكُورُ مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ عَلَى تَدْوِيرِهَا إِلَى مَا يَلِيهِ، ثُمَّ أَكْلُهُ مِنْهُ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ صَدَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِ أَنَسٍ مِنَ الْأَكْلِ، أَوِ الْمُرَادُ مِنَ التَّتَبُّعِ بِيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، مِمَّا يَلِيهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي جَانِبَيْهِ، وَهَذَا أَظْهَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الطَّعَامُ لَوْنًا وَاحِدًا، فَلَا يَتَعَدَّى الْآكِلُ مِمَّا يَلِيهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ أَكْثَرَ فَيَتَعَدَّاهُ، نَعَمْ فِي الْفَاكِهَةِ مِمَّا لَا يُقَذَّرُ فِي الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ مَا يَلِي الْآكِلَ، لَا كَرَاهَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، وَلَا تَقَذُّرَ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمُ التَّعْمِيمَ غَفْلَةً عَنِ الْمَعْنَى وَالسُّنَّةِ، انْتَهَى.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَثْبُتِ الْمُخَصِّصُ فَلَا يَنْبَغِي التَّعْمِيمُ فِي الْفَاكِهَةِ أَيْضًا، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِمَّا يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَمَعَ هَذَا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الشَّرَهِ، وَالتَّطَلُّعِ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>