للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاهَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَشَرِبَتْهُ بَرَكَةُ أُمُّ أَيْمَنَ مَوْلَاتُهُ وَبَرَكَةُ أُمُّ يُوسُفَ خَادِمَةُ أُمِّ حَبِيبَةَ صَحِبَتْهَا مِنْ أَرْضِ

الْحَبَشَةِ، وَكَانَ لَهُ قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ فَشَرِبَتْهُ بَرَكَةُ الثَّانِيَةُ فَقَالَ لَهَا: صَحَحْتِ يَا أُمَّ يُوسُفَ فَلَمْ تَمْرَضْ سِوَى مَرَضِ مَوْتِهَا.

وَصَحَّ عَنْ بَرَكَةَ الْأُولَى قَالَتْ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ لَيْلَةٍ إِلَى فَخَّارَةٍ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ فَبَالَ فِيهَا فَقُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنَا عَطْشَانَةٌ فَشَرِبْتُ مَا فِيهَا، وَأَنَا لَا أَشْعُرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا أُمَّ أَيْمَنَ قُوْمِي فَأَهْرِيقِي مَا فِي تِلْكَ الْفَخَّارَةِ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ شَرِبْتُ مَا فِيهَا فَضَحِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَا يَنْجَعَنَّ بَطْنُكِ أَبَدًا.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ جَمْعٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى طَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِجَمْعٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَدْ تَكَاثَرَتِ الْأَدِلَّةُ عَلَيْهِ وَعَدَّهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَقِيلَ سَبَبُهُ شَقُّ جَوْفِهِ الشَّرِيفِ وَغَسْلُ بَاطِنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ) أَيِ الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ سَمِعَ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَمَعْنَ بْنَ عِيسَى وَالنَّضْرَ بْنَ شُمَيْلٍ وَغَيْرَهُمْ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَكَانَ فَوْقَ الثِّقَةِ قَالَ زَكَرِيَّا: بَعَثَ إِلَيْهِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ يَأْكُلُ الْخُبْزَ مَعَ الْفُجْلِ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَتِ الشَّمْسُ رُءُوسَ الْحِيطَانِ أَيْ قَرُبَتْ أَنْ تَغْرُبَ مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (وَغَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ كَثِيرٌ مِنَ الْمَشَايِخِ سِوَى مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ (قَالُوا) أَيْ هُوَ وَإِيَّاهُمْ (أَنْبَأَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ أَخْبَرَنَا (أَبُو حُمَيْدٍ الزُّبَيْرِيُّ) نِسْبَةً إِلَى الْمُصَغَّرِ (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ كَانَتْ بِالتَّأْنِيثِ، وَكِلَاهُمَا مُسْتَقِيمٌ لِلْإِسْنَادِ إِلَى ظَاهِرٍ غَيْرِ حَقِيقِيٍّ فِي التَّأْنِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ (سُكَّةٌ) بِضَمِّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ كَافٍ ضَرْبٌ مِنَ الطِّينِ يُتَّخَذُ مِنْ مِسْكٍ وَرَامِكٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِفَتْحٍ وَهُوَ نَوْعُ عِطْرٍ وَاشْتُقَّ مِنَ الرُّمْكَةِ وَهُوَ لَوْنٌ أَبْيَنُ كَدَوْرَةٍ مِنَ الْوَرَقَةِ كَذَا فِي السَّامِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَسَامِي (يَتَطَيَّبُ مِنْهَا) حَالٌ أَوْ هُوَ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ وَفِي النِّهَايَةِ: السُّكَّةُ طِيبٌ مَعْرُوفٌ يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الطِّيبِ وَيُسْتَعْمَلُ.

وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ الْبَدِيعَةِ أَنَّ السُّكَّةَ عُصَارَةُ الْأَمْلَجِ وَأَحْسَنُهُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ هَكَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا ظَرْفٌ فِيهَا طِيبٌ. يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ مِنْهَا لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِهَا نَفْسَ الطِّيبِ لَقَالَ يَتَطَيَّبُ بِهَا، وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ السُّكَّةُ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ طِيبٌ مَجْمُوعٌ مِنْ أَخْلَاطٍ، وَالسُّكَّةُ قِطْعَةٌ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وِعَاءً. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هِيَ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْكَافِ الْمُشَدَّدَةِ طِيبٌ مُرَكَّبٌ. قَالَ مِيرَكُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا نَفْسَ الطِّيبِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ كَلِمَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ لِيُشْعِرَ بِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِدُفَعَاتٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِهَا، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْوِعَاءَ فَمِنْ لِلِابْتِدَاءِ هَذَا.

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ الْفَيْرُوزَابَادِيُّ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: «السُّكُّ» طِيبٌ يُتَّخَذُ مِنَ الرَّامِكِ مَدْقُوقًا مَنْخُولًا مَعْجُونًا بِالْمَاءِ، وَيُعْرَكُ شَدِيدًا، وَيُمْسَحُ بِدُهْنِ الْخِيرِيِّ لِئَلَّا يَلْتَصِقَ بِالْإِنَاءِ، وَيُتْرَكُ لَيْلَةً ثُمَّ يُسْحَقُ الْمِسْكُ، وَيَلْقَمُهُ وَيُعْرَكُ شَدِيدًا، وَيُقَرَّصُ وَيُتْرَكُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يُثْقَبُ بِمِسَلَّةٍ، وَيَنْتَظِمُ فِي خَيْطٍ قِنَّبٍ وَيُتْرَكُ سَنَةً، وَكُلَّمَا

عُتِّقَ طَابَتْ رَائِحَتُهُ، وَالرَّامِكُ كَالصَّاحِبِ شَيْءٌ أَسْوَدُ يُخْلَطُ بِالْمِسْكِ، وَقَدْ يُفْتَحُ الْمِيمُ أَيْضًا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَالْقِنَّبُ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَتَشْدِيدِ النُّونِ ضَرْبٌ مِنَ الْكِتَّانِ يُفْتَلُ مِنْهُ الْحِبَالُ كَذَا فِي شَمْسِ الْعُلُومِ.

وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَطَيَّبُ قَالَتْ: نَعَمْ بِذِكَارَةِ الطِّيبِ الْمِسْكِ، وَالْعَنْبَرِ.

فِي النِّهَايَةِ ذِكَارَةُ الطِّيبِ بِالْكَسْرِ، وَذُكُورَتُهُ مَا تَصْلُحُ لِلرِّجَالِ، وَهُوَ مَا لَا لَوْنَ لَهُ كَالْمَسِّ وَالْعِنَبِ وَالْعُودِ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَجْمِرُ بِأُلْوَةٍ غَيْرِ مُطَرَّاةٍ وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَ الْأُلْوَةِ.

فِي النِّهَايَةِ الْأَلْوَةُ الْعُودُ يُتَبَخَّرُ بِهِ، وَقِيلَ ضَرْبٌ مِنْ خِيَارِهِ، وَتُفْتَحُ هَمْزَتُهُ، وَتُضَمُّ وَهِيَ أَصْلِيَّةٌ، وَقِيلَ زَائِدَةٌ، وَالْأُلْوَةُ الْمُطَرَّاةُ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا أَلْوَانُ الطِّيبِ وَغَيْرُهَا كَالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ وَالطِّيبِ، وَالْكَافُورِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ، وَسُكُونِ زَايٍ قَرَأَ (بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ) بِضَمِّ مُثَلَّثَةٍ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ، وَقَالَ أَنَسٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرُدُّ الطِّيبَ) هَذَا حَدِيثٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>