للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الشِّعْرَ لَا يَنْبَغِي، وَإِذَا كَانَ مُرَادُ الْآيَةِ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَضُرَّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْمُ الْمَنْفِيُّ عَنْهُ.

(حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدُبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: ابْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ (نَحْوَهُ) أَيْ: بِمَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) صَحَابِيَّانِ جَلِيلَانِ (قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ) جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قِيسٌ لَكِنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ (أَفَرَرْتُمْ) أَيْ: يَوْمَ حُنَيْنٍ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: مُعْرِضِينَ عَنْهُ، وَتَارِكِينَ لَهُ وَإِلَّا فَالْفِرَارُ مِنَ الْكُفَّارِ (يَا أَبَا عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ كُنْيَةُ الْبَرَاءِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ أَوْ لِلِاسْتِعْلَامِ (فَقَالَ لَا) أَيْ: مَا فَرَرْنَا جَمِيعًا (وَاللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَيُسَكَّنُ أَيْ: أَوَائِلُهُمْ فَفِي النِّهَايَةِ: السَّرَعَانُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ: أَوَائِلُ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَسَارَعُونَ عَلَى الشَّيْءِ، وَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ بِسُرْعَةٍ، وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الرَّاءِ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ حُنَيْنٍ خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، وَإِخَاؤُهُمْ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ فِي قَوْلِهِ سَرَعَانُ بِفَتْحِ السِّينِ، وَكَسْرِهَا جَمْعُ سَرِيعٍ، وَبِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَيُسَكَّنُ أَيْ أَوَائِلُهُمْ.

قَالَ مِيرَكُ: هَذَا الْجَوَابُ مِنَ الْبَرَاءِ ظَاهِرٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْكَلَامِ فِي السُّؤَالِ هَكَذَا أَفَرَرْتُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَفَرَرْتُمْ كُلُّكُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَأَمَّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهِيَ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَخْلُوا عَنْ تَكَلُّفٍ، وَيُمْكِنْ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ الْبَرَاءَ أَشَارَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ الْبَرَاءَ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفِرَّ، وَأَظْهَرَ الشَّجَاعَةَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فَحِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِرَارُ الصَّحَابَةِ عَنْهُ لِشِدَّةِ مُوَافَقَتِهِمْ لَهُ، وَعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِالتَّأْيِيدَاتِ الْإِلَهِيَّةِ ; وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ فِرَارُهُمْ عَنْهُ إِذَا فَرَّ هُوَ وَتَوَلَّى، وَهُوَ مُحَالٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ كَوْنِهِ مَعْصُومًا مِنَ النَّاسِ عَدَمُ تَصَوُّرِ فِرَارِ أَصْحَابِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقِيلَ هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي أَجَابَهُ الْبَرَاءُ مِنْ بَدِيعِ أَدَبِ الْفُضَلَاءِ ; لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ أَفَرَرْتُمْ كُلُّكُمْ فَيَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَافَقَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْبَرَاءُ: لَا وَاللَّهِ مَا فَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ جَرَى لَهُمْ كَذَا وَكَذَا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيِّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ إِذْ لَيْسَ فِيهَا: «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَقَوْلُ السَّائِلِ: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدُلُّ إِلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّ، بَلْ عَلَى أَنَّهُمْ فَرُّوا، وَبَقِيَ هُوَ مُنْفَرِدًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ تَقْدِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>