وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا) وَقَدْ سَبَقَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبَّاسَ مِمَّنْ صَاحَ عَلَى النَّاسِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَوْجِيهٌ آخَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا فَرَّ مَنْ فَرَّ لَمَّا تَوَهَّمَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُتِلَ أَوْ مَا لَحِقَ أَوْ رَجَعَ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَمَّا سَمِعُوا صِيَاحَ عَبَّاسٍ يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ أَوْ كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَيَّ إِلَيَّ ; فَرَجَعُوا مُسْرِعِينَ قَائِلِينَ يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرْكِضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ، وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَلَّا تُسْرِعَ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْجَمْعُ بِأَنَّهُ كَانَ آخِذٌ اللِّجَامَ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاوَبَةِ فِي خِدْمَةِ الْمَقَامِ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْقِيقِ الْمَرَامِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ، وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْفِرَارَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَمُؤَلَّفَتِهِمْ وَأَخْلَاطِهِمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَمَكَنِ الْإِسْلَامُ فِي قُلُوبِهِمْ، بَلْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَتَرَبَّصُ بِالْمُسْلِمِينَ الدَّوَائِرَ، وَجَمَاعَةٌ خَرَجُوا لِلْغَنِيمَةِ ; فَلَمَّا انْكَشَفُوا مِنَ الْعَدُوِّ، وَظَنَّ مَنْ فَرَّ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ غَنَاءٌ فَكَدُّوا لِيَعْرِفُوا الْخَبَرَ، فَأُطْلِقَ عَلَى فِعْلِهِمُ الْفِرَارُ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَخْذًا بِالظَّاهِرِ هَذَا وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ الْبَغْلَةَ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُغَاثَةَ، هَذَا هَوُ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدُوسٍ أَنَّ الْبَغْلَةَ الَّتِي رَكِبَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ هِيَ دُلْدُلٌ، وَكَانَتْ شَهْبَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ وَأَمَّا الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ يُقَالُ لَهَا فِضَّةُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ سَعْدٍ وَذُكِرَ عَكْسُهُ، وَالصَّحِيحُ مَا فِي مُسْلِمٍ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ الشَّيْخِ، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ رُكُوبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَغْلَةَ فِي مَوَاطِنِ الْحَرْبِ هُوَ النِّهَايَةُ فِي الشَّجَاعَةِ، وَلِيَكُونَ أَيْضًا مُعْتَمَدًا يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَتَطْمَئِنُ قُلُوبُهُمْ بِهِ، وَبِمَكَانِهِ وَلِيَكُونَ مُمْتَازًا عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا فِعْلُهُ هَذَا عَمْدًا، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَتْ لَهُ أَفْرَاسٌ مَعْرُوفَةٌ (وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ) أَيْ: وَبِحَوْلِ رَبِّهِ يَحُولُ، وَعَلَى عَدُوِّهِ يَصُولُ مُظْهِرًا نَسَبَهُ وَحَسَبَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا وَعَدَهُ مِنَ الْعِصْمَةِ عَنِ النَّاسِ رَبُّهُ (
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ
) أَيْ: حَقًّا وَصِدْقًا، فَلَا أَفِرُّ، وَلَا أَزُولُ عَمَّا أَقِرُّ إِذْ صِفَةُ النُّبُوَّةِ يَسْتَحِيلُ مَعَهَا الْكَذِبُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا النَّبِيُّ لَا يَكْذِبُ فَلَسْتُ بِكَاذِبٍ فِيمَا
أَقُولُ حَتَّى أَنْهَزِمَ، وَلَا أَجُولُ بَلْ أَنَا مُتَيَقِّنٌ أَنَّ مَا وَعَدَنِي اللَّهُ مِنَ النَّصْرِ حَقٌّ، وَإِنَّ خِذْلَانَ أَعْدَائِي صِدْقٌ (أَنَا ابْنُ ... عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) انْتَسَبَ بِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ إِمَّا مُرَاعَاةً لِلْوَزْنِ وَالْقَافِيَةِ، أَوْ لِأَنَّ أَبَاهُ تُوَفِّيَ شَابًّا فِي حَيَاةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَمْ يَشْتَهِرْ كَاشْتِهَارِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ ; فَإِنَّهُ كَانَ سَيِّدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute