للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْنَاهُ لَا ذُو حَرٍّ وَلَا ذُو قَرٍّ فَحُذِفَ الْمُضَافُ تَخْفِيفًا، وَكَذَا قَوْلُهَا (وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ) إِعْرَابًا وَمَعْنًى أَيْ: لَيْسَ عِنْدَهُ شَرٌّ يُخَافُ مِنْهُ، وَلَا مَلَالَةٌ فِي مُصَاحَبَتِهِ فَيُسْأَمُ عَنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ نَفْيُ حَرِّ لِسَانِهِ، وَبُرُودَةِ طَبْعِهِ، وَنَفْيُ خَشْيَةِ النَّفَقَةِ، وَقِلَّةِ الْمُضَاجَعَةِ (قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ) أَيْ: بِالْبَيْتِ (فَهِدَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ: صَارَ فِي النَّوْمِ كَالْفَهِدِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَغَافُلِهِ فِي الْأُمُورِ، وَعَنْ عَدَمِ ظُهُورِ الشُّرُورِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَهِدَ

مَوْصُوفٌ بِكَثْرَةِ النَّوْمِ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ فُلَانٌ أَنْوَمُ مِنَ الْفَهِدِ (وَإِنْ خَرَجَ) أَيْ: مِنَ الْبَيْتِ وَظَهَرَ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَأَقَامَ أَمْرَ الْقِتَالِ (أَسِدَ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ: صَارَ فِي الشَّجَاعَةِ، وَالْجَلَادَةِ كَالْأَسَدِ تَصِفُهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ السَّخَاوَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَبَيْنَ الشَّجَاعَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الْقَوْلِ الثَّانِي، وَقَدَّمَتْ مَا سَبَقَ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا أَنْسَبُ، وَأَحَقُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ كَمَالِ كَرَمِهِ، وَغَايَةِ هِمَّتِهِ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَا يَجْرِي مِنَ الْأُمُورِ دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَلَا يَفْتَقِدُ مَا فِيهِ مِنَ الطَّعَامِ، وَغَيْرِهِ إِكْرَامًا أَوْ تَغَافُلًا أَوْ تَكَاسُلًا، فَكَأَنَّهُ سَاهٍ، وَغَافِلٌ وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُهَا (وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ) أَيْ: عَمَّا رَآهُ سَابِقًا أَوْ عَمَّا فِي عُهْدَتِهِ مِنْ ضَبْطِ الْمَالِ، وَنَفَقَةِ الْعِيَالِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى سَخَاوَةِ نَفْسِهِ، وَجَوْدَةِ طَبْعِهِ، وَقُوَّةِ قَلْبِهِ، وَثُبُوتِ كَرَمِهِ، وَثَبَاتِ تَمَكُّنِهِ حَيْثُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ مِنَ الْأَحْوَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ الدَّنِيَّةِ، وَأَمَّا حَمْلُ كَلَامِهَا عَلَى ذَمِّ زَوْجِهَا، فَلَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ كَمَا لَا يَخْفَى مَعَ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ مَهْمَا أَمْكَنَ أَوْلَى (قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ) أَيْ: أَكْثَرَ الطَّعَامَ، وَخَلَطَ صُنُوفَهُ كَالْأَنْعَامِ (وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ) اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ مَا فِي الْإِنَاءِ مِنْ نَحْوِ اللَّبَنِ وَالْمَاءِ، وَرُوِيَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَحَاصِلُ كَلَامِهَا ذَمُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا وَلِمَا فِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى حِرْصِهِ، وَعَدَمِ الْتِفَاتِهِ إِلَى حَالِ عِيَالِهِ، وَنَظَرِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَمِنَ الْإِشَارَةِ عَلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْكَسَلِ فِي الطَّاعَةِ، وَمِنْ قِلَّةِ الْجُرْأَةِ فِي الشَّجَاعَةِ (وَإِنِ اضْطَجَعَ) أَيْ: أَرَادَ النَّوْمَ (الْتَفَّ) أَيْ: رَقَدَ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، وَتَلَفَّفَ بِكِسَائِهِ وَحْدَهُ، وَانْقَبَضَ إِعْرَاضًا عَنْ أَهْلِهِ، فَتَكُونُ هِيَ كَهَيْئَةٍ حَزِينَةٍ فِي خَلْطَتِهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ حُسْنِ عِشْرَتِهِ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَرْقَدِ وَالْمَطْلَبِ، كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ بِقَوْلِهَا (وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ) أَيْ: وَلَا يُدْخِلُ كَفَّهُ إِلَى بَدَنِ امْرَأَتِهِ لِيَعْلَمَ بَثَّهَا وَحُزْنَهَا مِمَّا يَظْهَرُ عَلَيْهَا مِنَ الْحَرَارَةِ أَوِ الْبُرُودَةِ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّهَا إِذَا وَقَعَ فِي بَدَنِهَا شَيْءٌ مِنْ قُرْحٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ جَبْرٍ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا حَتَّى يَضَعَ الْيَدَ عَلَيْهَا لِيَعْلَمَ مِنْهَا الْأَلَمَ، وَيَعْذِرُهَا فِي تَقْصِيرِ الْخَدْمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَحْسَبُ أَنَّهُ كَانَ بِجَسَدِهَا عَيْبٌ أَوْ دَاءٌ أَحْزَنَهَا وُجُودُهُ مِنْهَا إِذَا لَبِثَ الْحُزْنُ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ تَحْتَ ثِيَابِهَا خَوْفًا مِنْ حُزْنِهَا بِسَبَبِ مَسِّهِ مِنْهَا مَا تَكْرَهُ اطِّلَاعَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا وَصْفٌ لَهُ بِالْمُرُوءَةِ، وَالْفُتُوَّةِ وَكَرَمِ الْخُلُقِ فِي الْعِشْرَةِ، وَرَدَّهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِأَنَّهَا كَيْفَ تَمْدَحُهُ بِهَذَا، وَقَدْ ذَمَّتْهُ بِمَا سَبَقَ، وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ بِأَنَّهُنَّ تَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ، فَمِنْهُنَّ مَنْ تَمَحَّضَ قُبْحُ زَوْجِهَا فَذَكَرَتْهُ وَمِنْهُنَّ مَنْ تَمَحَّضَ حُسْنُ زَوْجِهَا فَذَكَرَتْهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>