للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَفِيعٌ وَحَسَبُهُ مَنِيعٌ، فَفِي النِّهَايَةِ أَرَادَتْ عِمَادَ بَيْتِ شَرَفِهِ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ الْبَيْتَ مَوْضِعَ الشَّرَفِ فِي النَّسَبِ وَالْحَسَبِ، وَالْعِمَادُ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الْبَيْتُ قِيلَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ بُيُوتَ السَّادَةِ عَالِيَةٌ، وَقَدْ يُكَنَّى بِالْعِمَادِ عَنِ الْبَيْتِ نَفْسِهِ مِنْ قَبِيلِ إِطْلَاقِ الْجُزْءِ، وَإِرَادَةِ الْكُلِّ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْجُزْءُ مِمَّا يَكُونُ مَدَارَ الْكُلِّ عَلَيْهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ أَبْنِيَتَهُ رَفِيعَةٌ، وَارْتِفَاعُهَا إِمَّا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا حَقِيقَةً، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ شُهْرَتِهَا مَجَازًا أَوْ بِارْتِفَاعِ مَوْضِعِهَا بِأَنْ يَبْنِيَ بُيُوتَهَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمُرْتَفِعَةِ لِيَقْصِدَهَا الْأَضْيَافُ، وَأَرْبَابُ الْحَاجَةِ (عَظِيمُ الرَّمَادِ) أَيْ: كَثِيرٌ رَمَادُهُ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الضِّيَافَةِ، وَزِيَادَةِ الْكَرَمِ وَالسَّخَاوَةِ، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ كَثْرَةَ الْجُودِ يَسْتَلْزِمُ إِكْثَارَ الضِّيَافَةِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ الطَّبْخِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِكَثْرَةِ الرَّمَادِ، وَفِيهِ أَيْضًا إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَةِ وَقُودِ نَارِهِ لَيْلًا إِذِ الْكِرَامُ يُعَظِّمُونَ النَّارَ فِي اللَّيْلِ عَلَى التِّلَالِ، وَلَا تُطْفَأُ لِيَهْتَدِيَ بِهِ الضِّيفَانُ وَيَقْصِدُونَهُ (طَوِيلُ النِّجَادِ) بِكَسْرِ النُّونِ حَمَائِلُ السَّيْفِ وَطُولُهُ يَدُلُّ عَلَى امْتِدَادِ الْقَامَةِ ; لِأَنَّ طُولَهَا مَلْزُومٌ لِطُولِ نِجَادِهِ، وَقَالَ أَهْلُ الْبَيَانِ: يَنْتَقِلُ مِنْ قَوْلِهِمْ زَيْدٌ طَوِيلُ النِّجَادِ إِلَى طُولِ قَامَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طُولُ نِجَادٍ ذَكَرَهُ الْكَافِيَجِيُّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ سِعَةِ حُكْمِهِ عَلَى أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ كَمَا يُقَالُ سَيْفُ السُّلْطَانِ طَوِيلٌ أَيْ: يَصِلُ حُكْمُهُ إِلَى أَقْصَى مُلْكِهِ، وَأَيْضًا فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى شَجَاعَتِهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ غَالِبًا لِسَخَاوَتِهِ (قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ) أَصْلُهُ النَّادِي، فَخَفَّفَتْ وَوَقَفَتْ عَلَيْهِ بِمُؤَاخَاةِ السَّجْعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَالنَّادِي مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَمُتَحَدَّثُهُمْ وَإِنَّمَا قُرْبُ بَيْتِهِ مِنَ النَّادِي لِيَعْلَمَ النَّاسُ مَكَانَهُ وَمَكَانَتَهُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ إِذْ هُوَ مُجْتَمَعُ رَأْيِ الْقَوْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ أَيْ: عَشِيرَتَهُ، وَقَوْمَهُ إِذْ هُمْ أَهْلُ النَّادِيَةِ، فَالْإِطْلَاقُ مَجَازِيٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ (قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكْ) أَيِ اسْمُهُ مَالِكٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةً لِلسَّجْعِ، وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ (وَمَا مَالِكْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَمَا مَالِكْ ‍! هَذَا تَعْجِيبٌ مِنْ أَمْرِهِ وَشَأْنِهِ، وَتَعْجِيزٌ عَنْ كُنْهِ بَيَانِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ فَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعْظِيمِ، وَالتَّعْجِيبِ وَالتَّفْخِيمِ (مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَصْلًا عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِإِحْدَاهُنَّ مِنَ الْمُجَاوِرَاتِ أَوِ لِجِنْسَيْنِ مِنَ الْمُخَاطِبَاتِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ عَلَى إِرَادَةِ الْأَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ: زَوْجِي مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ زَوْجِ التَّاسِعَةِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ السَّابِقَةِ، وَقِيلَ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا سَتَذْكُرُهُ هِيَ بَعْدُ أَيْ: خَيْرٌ مِمَّا أَقُولُهُ فِي حَقِّهِ، فَيَكُونُ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ فَوْقَ مَا يُوصَفُ مِنَ الْجُودِ، وَالسَّمَاحَةِ (لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ الْمَبْرَكِ، وَهُوَ مَحَلُّ بُرُوكِ الْبَعِيرِ أَوْ زَمَانُهُ

أَوْ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْبُرُوكِ (قَلِيلَاتِ الْمَسَارِحِ) جَمْعُ الْمَسْرَحِ، وَهُوَ إِمَّا مَصْدَرٌ أَوِ اسْمُ زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ مِنْ سَرَحَتِ الْمَاشِيَةُ أَيْ: رَعَتْ، وَالْمَعْنَى أَنَّ إِبِلَهُ كَثِيرَةٌ فِي حَالِ بَرُوكِهَا، فَإِذَا سَرَحَتْ كَانَتْ قَلِيلَةً لِكَثْرَةِ مَا نَحَرَ مِنْهَا فِي مَبَارِكِهَا لِلْأَضْيَافِ، وَقِيلَ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُنَّ مَعَ كَثْرَتِهَا لَا يَسْرَحْنَ نَهَارًا، وَلَا يَغِبْنَ عَنِ الْحَيِّ وَقْتًا أَوْ زَمَانًا أَوْ لَا تَسْرَحُ إِلَى الْمَرْعَى الْبَعِيدِ إِلَّا قَلِيلًا، وَقَدْرَ الضَّرُورَةِ، وَلَكِنَّهُنَّ يَبْرُكْنَ بِفَنَائِهِ حَتَّى إِذَا نَزَلَ ضَيْفُهُ يُقَرِّبُهُ مِنْ أَلْبَانِهَا، وَلُحُومِهَا (إِذَا سَمِعْنَ) أَيِ: الْإِبِلُ الْبَارِكَةُ فِي الْمَبَارِكِ (صَوْتَ الْمِزْهَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ الْعُودُ الَّذِي يُضْرَبُ (أَيْقَنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ: شَعَرْنَ وَفَطِنَّ (أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ) أَيْ: مَنْحُورَاتٌ لِلضَّيْفِ هُنَالِكَ، يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ كَرَمِهِ وَجُودِهِ عَوَّدَ إِبِلَهُ بِأَنَّهُ إِذَا نَزَلَ الْأَضْيَافُ بِهِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِالْمَعَازِفِ كَالرَّبَابِ، وَيَسْقِيَهُمُ الشَّرَابَ، وَيُطْعِمَهُمُ الْكَبَابَ، فَإِذَا سَمِعَتِ الْإِبِلُ ذَلِكَ الصَّوْتَ مِنَ الْبَابِ عَلِمَتْ أَنَّهُنَّ مَنْحُورَاتٌ بِلَا حِسَابٍ، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ النِّيسَابُورِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُنَّ إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمُزْهِرِ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَهُوَ مَوْقِدُ النَّارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>