للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظُلْمًا كَثِيرًا، وَظُلْمًا كَبِيرًا، فَهُوَ ظَاهِرُ الدَّفْعِ إِذَا الْوَارِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ لَا كُلُّهَا مُجْتَمِعَةً، وَقَدْ رَوَى الْمُصَنِّفُ وَالنَّسَائِيُّ رِوَايَةً عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «رَمَقْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا - أَيْ: بِسُورَتِيِ الْإِخْلَاصِ - فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» ، وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ بِقِرَاءَتِهِ بَعْضَ السُّورَةِ عَلَى أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ يُسِرُّ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَيُوَافِقُهُ قِيَاسُ الْإِخْفَاءِ فِي سَائِرِ السُّنَنِ النَّهَارِيَّةِ، وَاللَّيْلِيَّةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا فَيُنَافِي رِوَايَةَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يُصَلِّيهِمَا انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ أَنْ تُحَدِّثَهُ

حَفْصَةُ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ رَمَقْتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا.

وَرَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ: «لَمْ يَكُنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» .

وَلِمُسْلِمٍ: «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» .

وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا وَاجَبَتَانِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الرَّوَاتِبِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرَهُمَا رَوَوْا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَتُسَنُّ هَذِهِ الضَّجْعَةُ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ لِذَلِكَ وَلِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَدْبِهَا لِمَنْ بِالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ نَدْبَهَا بِالْبَيْتِ.

قُلْتُ: الظَّاهِرُ وَجْهُ التَّخْصِيصِ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِعْلُهُ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهَا بِدْعَةٌ، وَقَوْلُ النَّخَعِيُّ: أَنَّهَا ضَجْعَةُ الشَّيْطَانِ، وَإِنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَهَا فَهُوَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ، قُلْتُ هَذَا مَحْمَلٌ بَعِيدٌ إِذْ مِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ صَاحِبُ السَّجَّادَةِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ وَكَذَا ابْنُ عُمَرَ مَعَ شِدَّةِ مُبَالَغَتِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِمُتَابَعَتِهِ يُسْتَبْعَدُ عَدَمُ وُصُولِ فِعْلِهِ الْمُسْتَمِرِّ إِلَيْهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْإِنْكَارُ وَعَدُّ الْبِدْعَةِ وَالضَّجْعَةُ الْمَذْمُومَةُ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُتَهَجِّدِ، وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ عَائِشَةَ.

لَمْ يَضْطَجِعْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسُنَّةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَتَهُ فَيَسْتَرِيحُ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ فِي سَنَدِ الْحَدِيثِ مَجْهُولًا. فَمَدْفُوعٌ ; لِأَنَّهُ وَلَوْ كَانَ مَجْهُولًا لَا مَعْلُومًا يَكُونُ فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ مَقْبُولًا، وَيُقَرِّبُهُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَوِ الْوَتْرِ كَانَ يَضْطَجِعُ، وَيُنَاسِبُهُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَتِهَا أَنَّهَا لِلرَّاحَةِ، وَالنَّشَاطِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَقَدْ أَفْرَطَ ابْنُ حَزْمٍ فِي وُجُوبِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَأَنَّهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ.

(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ (عَنْ مَيْمُونِ) بِالصَّرْفِ (بْنِ مِهْرَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيُضَمُّ (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِي رَكَعَاتٍ) أَيْ: مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ (رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُمَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) وَيُنْدَبُ الْوَصْلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ لِخَبَرِ رَزِينٍ. «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ رُفِعَتْ صَلَاتُهُ فِي عِلِّيِّينَ» ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُمَا فِي الْمَسْجِدِ (وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِرَكْعَتَيِ الْغَدْوَةِ) أَيِ: الْفَجْرِ (وَلَمْ أَكُنْ أَرَاهُمَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ: لَمْ أُبْصِرْهُمَا (مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّيهِمَا (إِلَّا فِي الْبَيْتِ) وَقَدْ يُصَلِّي غَيْرَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْبَيْتِ حِينَ أَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي النَّهَارِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: وَكَانَتْ سَاعَةً لَا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>