الْمُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ
(قَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ ثِنْتَيْنِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ رَكْعَتَيْنِ (وَبَعْدَ الْعَشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ ثِنْتَيْنِ) أَيْ: رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ ضَمْرَةَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (يَقُولُ سَأَلْنَا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ النَّهَارِ) أَيْ: عَنْ كَيْفِيَّةِ نَوَافِلِهِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا فِيهِ، وَلَمَّا فَهِمَ أَنَّ سُؤَالَهُمْ عَنْهَا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا لَا لِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِهَا (قَالَ) أَيْ: عَاصِمٌ (فَقَالَ) أَيْ: عَلِيٌّ (إِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ ذَلِكَ) أَيْ: بِحَسْبِ الْكَيْفِيَّةِ وَالْحَالَةِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الدَّوَامِ وَالْمُوَاظَبَةِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى الْعِبَادَةِ وَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْغِيبِ السَّائِلِينَ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ فِي الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعِلْمِ هُوَ الْعَمَلُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَالْمُعِينُ وَالْحَافِظُ عَنِ الْكَسَلِ. قَالَ أَيْ: عَاصِمٌ (قُلْنَا مَنْ أَطَاقَ مِنَّا ذَلِكَ صَلَّى) أَيْ: وَمَنْ لَمْ يُطِقْ مِنَّا عَلِمَ ذَلِكَ (فَقَالَ) أَيْ: عَلِيٌّ (كَانَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا) إِشَارَةٌ إِلَى جَانِبِ الشَّرْقِ (كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا) إِشَارَةٌ إِلَى جَانِبِ الْغَرْبِ (عِنْدَ الْعَصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) وَهَذَا هُوَ صَلَاةُ الضُّحَى فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ (وَإِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ الظُّهْرِ صَلَّى أَرْبَعًا) قَالَ مِيرَكُ: وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَبْلَ الزَّوَالِ قَرِيبًا مِنْهُ وَتُسَمَّى صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حَيْثُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.
«صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا (وَيُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ) وَكُلٌّ مِنَ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ مُؤَكَّدَةٌ لِمَا صَحَّ فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، رَوَى الشَّيْخَانِ: كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، فَلَا يُنَافِيهِ مَا سَبَقَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إِذَا صَلَّى فِي الْبَيْتِ، وَالثَّانِي فِيمَا إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا سُنَّةَ الظُّهْرِ فِي الْبَيْتِ وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فَظُنَّ أَنَّهُ سُنَّةُ الظُّهْرِ وَهَذَا أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: كَانَ يِصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ: الْأَرْبَعُ كَانَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَالرَّكْعَتَانِ فِي قَلِيلِهَا قَالَ مِيرَكُ: وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا اخْتُلِفَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ فَقَوْلُهَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا أَيْ: فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَرْبَعًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَفَ مَا رَأَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَسِيَ ابْنُ عُمَرَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْأَرْبَعِ، قَالَ مِيرَكُ: وَهَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ، وَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَرَأَى ابْنُ عُمَرَ مَا فِي الْمَسْجِدِ دُونَ مَا فِي بَيْتِهِ، وَاطَّلَعَتْ عَائِشَةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ، وَأَمَّا لَفْظَةُ «كَانَ» فَيَقْتَضِي التَّكْرَارَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهِيَ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَنَّهُ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهَا لَا تَقْضِيهِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ عُرْفًا (
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute