عَلَيْهِمْ صَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَلَّ الْإِفْطَارُ إِلَى الْعِشَاءِ ثُمَّ حَلَّ إِلَى الصُّبْحِ.
وَفِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَاجِبًا، وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَصَامُوا لِذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ بِرَمَضَانَ
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ: يَؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِصَوْمِهِ ثُمَّ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ مَنْ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ الْأُمَّهَاتِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ فِيهِ الْأَطْفَالَ، وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا تُرِكَ اسْتِحْبَابُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ وُجُوبُهُ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَيْ: مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْمَتْرُوكَ تَأْكِيدُ اسْتِحْبَابِهِ، وَالْبَاقِي مُطْلَقُ اسْتِحْبَابِهِ، فَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ بَلْ تَأْكِيدُ اسْتِحْبَابِهِ بَاقٍ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ اسْتِحْبَابِ الِاتِّصَافِ بِهِ حَتَّى عَامِ وَفَاتِهِ، وَالتَّرْغِيبُ فِي صَوْمِهِ وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْآتِيَةَ فَأَيُّ تَأْكِيدٍ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَهُوَ مَقْرُونٌ بِغَايَةِ التَّحْقِيقِ، وَالتَّدْقِيقِ، وَنِهَايَةِ الِاتِّصَافِ بِالْإِنْصَافِ مَعَ التَّوْفِيقِ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ بِمَا تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ، وَتَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ، وَلِذَا أَعْرَضْتُ عَنْ ذِكْرِهَا، وَصَرَفْتُ الْخَاطِرَ عَنْ فِكْرِهَا هَذَا، وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِسَائِلِهِ عَنْ صَوْمِهِ إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، فَقَالَ لَهُ هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ، وَقَالَ: نَعَمْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ تَاسِعُ الْمُحَرَّمِ أَخْذًا مِنْ إِطْمَاءِ الْإِبِلِ ; فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ يَوْمِ الْوُرُودِ رَابِعًا، وَهَكَذَا فَيُؤَوَّلُ قَوْلُهُ صَائِمًا بِكَوْنِهِ مُرِيدًا لِلصَّوْمِ لِيُطَابِقَ مَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ مِنْ تَاسِعِهِ فَأَصْبِحْ صَائِمًا إِذْ لَا يُصْبِحُ صَائِمًا بَعْدَ مَا أَصْبَحَ تَاسِعُهُ إِلَّا إِذَا نَوَى الصَّوْمَ فِي اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْعَاشِرِ أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصُومُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَصُومَهُ لِيُوَافِقَ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَامَ عَاشُورَاءَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمٌ يُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثُمَّ جَاءَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ قِيلَ، وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ لِمُوسَى وَعَرَفَةُ مَنْسُوبٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ وَرَدَ مَنْ وَسَعَّ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ السَّنَةَ كُلَّهَا، وَلَهُ طُرُقٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَسَانِيدُهَا كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَلَكِنْ إِذَا انْضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ أَفَادَ قُوَّةً، وَصَحَّحَ الْحَافِظُ ابْنُ نَاصِرٍ بَعْضَهَا، وَأَقَرَّهُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهِيَ أَصَحُّ طُرُقِهِ، فَقَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، وَأَمَّا مَا وَرَاءَ الصَّوْمِ وَالتَّوْسِيعِ فِي الْأُمُورِ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُورَةِ مَوْضُوعٌ، وَمُفْتَرَى وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: أَنَّ الِاكْتِحَالَ فِيهِ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا قَتَلَةُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكِنْ ذَكَرَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ مَنِ اكْتَحَلَ بِالْإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ أَبَدًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ) وَفِي رِوَايَةٍ هَلْ كَانَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخُصُّ) وَفِي رِوَايَةٍ يَخْتَصُّ (مِنَ الْأَيَّامِ شَيْئًا) أَيْ: بِعَمَلِ نَافِلَةٍ كَصَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ (قَالَتْ: كَانَ) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ:
لَا كَانَ (عَمَلُهُ دِيمَةً) بِكَسْرِ الدَّالِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الدَّوَامِ، وَأَصْلُهُ الْوَاوُ، فَانْقَلَبَتْ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا ; وَإِنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى صِيغَةِ النَّوْعِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ نَوْعُ دَوَامٍ مَخْصُوصٍ، فَإِنَّ الدِّيمَةَ فِي الْأَصْلِ الْمَطَرُ الَّذِي لَا رَعْدَ فِيهِ، وَلَا بَرْقَ، وَفِيهِ سُكُونٌ، وَأَقَلُّهُ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثُ النَّهَارِ، وَأَكْثَرُهُ مَا بَلَغَ مِنَ الْعُدَّةِ ثُمَّ شُبِّهَ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَهُ دَوَامٌ، وَلَا قَطْعَ فِيهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَعَ الِاقْتِصَادِ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ عَمَلُهُ دَائِمًا، وَوُقُوعُهُ فِي مَحَلِّهِ لَازِمًا قَالَ ابْنُ التِّينِ: اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ تَحَرِّي صِيَامِ يَوْمٍ مِنَ الْأُسْبُوعِ وَأَجَابَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ بِأَنَّ السَّائِلَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ; إِنَّمَا سَأَلَ عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا أَيَّامًا، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ تَخْصِيصِهِ مِنَ الْأَيَّامِ بِالصِّيَامِ ; فَإِنَّمَا خُصِّصَ لِأَمْرٍ لَا يُشَارِكُهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ كَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ، وَالْأَيَّامِ الْبِيضِ، وَجَمِيعِ مَا عُيِّنَ لِمَعْنًى خَاصٍّ، وَإِنَّمَا سَأَلَ عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمٍ لِكَوْنِهِ مَثَلًا يَوْمَ السَّبْتِ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَالْخَمِيسِ وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِمَا أَحَادِيثُ، وَكَأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، فَلِهَذَا أَبْقَى التَّرْجَمَةَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ ; فَإِنْ ثَبَتَ فِيهِمَا مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصًا اسْتُثْنِيَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ لَا قُلْتُ وَرَدَ فِي صِيَامِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الْجُرَشِيِّ عَنْهَا، وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute