للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدِي امْرَأَةٌ) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ حَسَنَةُ الْهَيْئَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ أَنَّهَا مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا الْحَوْلَاءُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، وَهُوَ اسْمُهَا بَنَتُ تُوَيْتٍ بِمُثَنَّاتَيْنِ مُصَغَّرًا ابْنِ حَبِيبٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ابْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مِنْ رَهْطِ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ قُلْتُ: فُلَانَةُ) كِنَايَةٌ عَنْ كُلِّ عَلَمٍ مُؤَنَّثٍ فَهِيَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ ذَكَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ، وَقَالَ الرَّضِيُّ: يُكَنَّى بِفُلَانٍ وَفُلَانَةَ عَنْ أَعْلَامِ الْأَنَاسِيِّ خَاصَّةً، فَيُجْرَيَانِ مَجْرَى الْمُكَنَّى عَنْهُ فَيَكُونَانِ كَالْعَلَمِ فَلَا يَدْخُلُهُمَا اللَّامُ، وَيَمْتَنِعُ صَرْفُ فُلَانَةَ وَلَا يَجُوزُ تَنْكِيرُ فُلَانٍ فَلَا يُقَالُ جَاءَنِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ آخَرُ (لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) أَيْ: تَسْهَرُ فِي

عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةٍ وَذِكْرٍ وَتِلَاوَةٍ وَنَحْوِهَا قَالَ مِيرَكُ: ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ الْحَوْلَاءَ مَرَّتْ بِهِ، فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَمَّا دَخَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا قَامَتْ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ وَلَفْظُهُ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَلَمَّا قَامَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ هَذِهِ يَا عَائِشَةُ فَقُلْتُ هَذِهِ فُلَانَةُ، وَهِيَ أَعْبَدُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا قَامَتْ لِتَخْرُجَ فَمَرَّتْ بِهِ فِي حَالِ ذَهَابِهَا فَسَأَلَ عَنْهَا، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّهَا مَدَحَتْهَا فِي وَجْهِهَا، وَفِي مُسْنَدِ الْحَسَنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ بَعْدَمَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ، فَيُحْمَلُ رِوَايَةُ الْكِتَابِ عَلَيْهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْكُمْ) أَيِ: الْزَمُوا، عَبَّرَ بِقَوْلِهِ عَلَيْكُمْ مَعَ أَنَّ الْخِطَابَ لِلنِّسَاءِ إِيمَاءٌ لِتَعْمِيمِ الْحُكْمِ بِتَغْلِيبِ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ، وَالْمَعْنَى اشْتَغِلُوا (مِنَ الْأَعْمَالِ) أَيْ: مِنَ النَّوَافِلِ (مَا تُطِيقُونَ) أَيِ: الْعَمَلَ الَّذِي تُطِيقُونَ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَفِي نُسْخَةٍ مِمَّا تُطِيقُونَهُ فَمُتَطَوِّقُهُ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِالِاقْتِصَادِ وَالِاخْتِصَارِ عَلَى مَا يُطَاقُ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَلِذَا قِيلَ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إِحْيَاءِ اللَّيْلِ كُلِّهِ وَقَدْ أَخَذَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَالُوا: يُكْرَهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ كُلِّهِ ذَكَرَهُ مِيرَكُ، قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَاصًّا بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَأَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: سَبَبُ وُرُودِهِ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ، وَلَكِنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ قَالَ مِيرَكُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالَّذِي قَبْلَهُ وَالَّذِي بَعْدَهُ بِعُنْوَانِ الْبَابِ انْتَهَى، وَسَيَأْتِي لَهُ تَحْقِيقٌ آخَرُ.

(فَوَاللَّهِ) فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ إِذَا أُرِيدَ بِهِ مُجَرَّدُ التَّأْكِيدِ، وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ (لَا يَمَلُّ) وَفِي أُخْرَى لَا يَمَلُّ اللَّهُ (حَتَّى تَمَلُّوا) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْأَمُ حَتَّى تَسْأَمُوا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لَا يَقْطَعُ عَنْكُمْ فَضْلَهُ حَتَّى تَمَلُّوا عَنْ سُؤَالِهِ، فَتَزْهَدُوا فِي الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ، فَإِسْنَادُ الْمَلَالِ إِلَى ذِي الْجَلَالِ عَلَى تَزْيِينِ الْمُشَاكَلَةِ وَتَحْسِينِ الْمُقَابَلَةِ، وَإِلَّا فَالْمَلَالُ اسْتِثْقَالُ الشَّيْءِ، وَنُفُورُ النَّفْسِ عَنْهُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ، وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ مُحَالٌ، وَقَدْ صَرَّحَ التُّورِبِشْتِيُّ بِأَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وَقِيلَ: وَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ يَقْطَعُ ثَوَابَهُ عَمَّنْ قُطِعَ عَنِ الْعَمَلِ مَلَالًا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَلَالِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ، وَهَذَا أَثْبَتُ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْمَلَالُ فُتُورٌ يَلْحَقُ بِالنَّفْسِ مِنْ كَثْرَةِ مُزَاوَلَةِ الشَّيْءِ فَيُوجِبُ الْكَلَالَ فِي الْفِعْلِ وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُ ; وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ مَنْ يَتَغَيَّرُ، فَالْمُرَادُ هُنَا بِالْمَلَالِ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَيْ: أَنَّ اللَّهَ لَا يُعْرِضُ عَنْكُمْ إِعْرَاضَ الْمَلُولِ، وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابَ أَعْمَالِكُمْ مَا بَقِيَ فِيكُمْ نَشَاطٌ وَأَرْيَحِيَّتُهُ فَإِذَا فَتَرْتُمْ فَاقْعُدُوا فَإِنَّكُمْ إِذَا أَتَيْتُمْ بِالْعِبَادَةِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>