وَصِفَاتِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ، وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ (ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ) أَيِ: الدَّالَّانِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ الْآيَةَ أَيْ: عَلَامَتَيْنِ تَدُلَّانِ عَلَى الْقَادِرِ الْحَكِيمِ بِتَعَاقُبِهِمَا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ مَعَ إِمْكَانِ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى تَخْوِيفِ الْعِبَادِ مِنْ بَأْسِهِ، وَسَطْوَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا وَزَادَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، قَالَ مِيرَكُ: وَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ الْمُخْرَجَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ زِيَادَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَهِيَ (لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ) وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا بَيَانُ سَبَبِ هَذَا الْقَوْلِ وَلَفْظُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ مَاتَ فَقِيلَ إِنَّمَا كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى حَتَّى انْجَلَتْ فَلَمَّا انْجَلَتْ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنَ الْعُظَمَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَى آخِرِهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ.
(فَإِنِ انْكَسَفَا) فِيهِ تَغْلِيبُ الْقَمَرِ فِي التَّذْكِيرِ، وَتَغْلِيبُ الشَّمْسِ فِي الْفِعْلِ عَلَى الشَّهِيرِ، وَفِي نُسْخَةٍ فَإِذَا انْكَسَفَا (فَافْزَعُوا) بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ: خَافُوا وَتَضَرَّعُوا، وَالْتَجِئُوا وَبَادِرُوا، وَتَوَجَّهُوا (إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا وَادْعُوا فَسُمِّيَتِ الصَّلَاةُ ذِكْرًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، وَمَدَارِهَا إِلَيْهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ فَإِذَا
رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا وَتَذَكَّرُوا الْخَوْفَ.
وَفِي أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ فَقَطْ دُونَ الْخُطْبَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً، وَلَوْ كَانَتْ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا أَبْحَاثًا مِنْهَا مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامًا وَاحِدًا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ.
قُلْتُ دَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ، وَإِنْكَارُهُ مُكَابَرَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا هُوَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، قُلْتُ: قَدْ رَدَّهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ، فَإِنَّا نُجَوِّزُ قِيَامًا وَقِيَامَيْنِ، فَلَمْ نُخَالِفِ السُّنَّةَ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ تَعَدُّدَ الْقِيَامِ ; فَإِنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ الصَّرِيحَةَ بِلَا مُسْتَنَدٍ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ، قُلْتُ: قَدْ بَلَغَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مَعَ تَأْوِيلِهِ، وَأَجَابُوا بِالْمُعَارَضَةِ، وَمُسْتَنَدُهُمُ الرِّوَايَاتُ الْمُصَرِّحَةُ بِأَنَّهُ كَانَ قِيَامًا وَاحِدًا مَعَ أَنَّ تَجْوِيزَ الْقِيَامِ وَالْقِيَامَيْنِ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ صَحَّ تَعَدُّدُ الْوَاقِعَةِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْهَيْئَةِ زَعَمُوا أَنَّ الْكُسُوفَ أَمْرٌ عَادِيٌّ لَا يَتَقَدَّمُ، وَلَا يَتَأَخَّرُ وَرُدَّ قَوْلُهُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْحِسَابِ لَمْ يَقَعْ فَزَعٌ، وَلَا أُمِرْنَا بِنَحْوِ الْعِتْقِ، وَالصَّلَاةِ كَمَا فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ مَا يُخْشَى مِنْ أَثَرِ الْكُسُوفِ الْمُوجِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute