للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ (عِنْدَ يَهُودِيٍّ) هُوَ أَبُو الشَّحْمِ بْنُ الْأَرْسِ، وَاسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْقَرْضَ مِنَ الْأَبَاعِدِ أَوْلَى

(فَمَا وَجَدَ مَا يَفُكُّهَا) بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ شَيْئًا يُخَلِّصُ الدِّرْعَ، (حَتَّى مَاتَ) أَيْ مِسْكِينًا كَمَا طَلَبَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، قِيلَ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِإِتْمَامِ الْحَدِيثِ لَا لِبَيَانِ التَّوَاضُعِ وُرَدَّ بِأَنَّ فِيهَا غَايَةَ التَّوَاضُعِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ سَأَلَ مَيَاسِيرَ أَصْحَابِهِ فِي رَهْنِ دِرْعِهِ لَرَهَنُوهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لِمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الْعَطَاءِ فِي مَرْضَاتِهِ مَا لَا يُحْصَى، فَإِذَا تَرَكَ سُؤَالَهُمْ وَسَأَلَ يَهُودِيًّا لَمْ يُبَالِ بِأَنَّ مَنْصِبَهُ الشَّرِيفَ يَأْبَى أَنْ يَسْأَلَ مِثْلَ يَهُودِيٍّ فِي ذَلِكَ، دَلَّ عَلَى غَايَةِ تَوَاضُعِهِ وَعَدَمِ نَظَرِهِ لِفَوْتِ مَرْتَبَتِهِ وَرِفْعَةِ شَأْنِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى الْيَهُودِ، حَيْثُ إِنَّهُ اخْتَارَ الْعُقْبَى وَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا مَعَ عَرْضِ الْجِبَالِ ذَهَبًا لَهُ مِنْ عِنْدِ الْمَوْلَى، وَرَدًّا عَلَى مَقَالِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا حَيْثُ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ وَمَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشْعَارِ بِبَرَاءَتِهِ مِنَ الطَّمَعِ وَطَلَبِ الْأَجْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَنَزَّهَ عَنِ الْقَرْضِ الَّذِي أَدَاؤُهُ مِنَ الْفَرْضِ، وَلِذَا تَبِعَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ حَيْثُ لَمْ يَقِفْ فِي ظِلِّ جِدَارِ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ تَنَزُّهًا مِنْ كُلِّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا، هَذَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مَنْ لَمْ يَتْرُكْ عِنْدَ صَاحِبِ الدَّيْنِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْوَفَاءُ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُرْتَهَنَةٌ أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهِ الْكَرِيمِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِي مَنِ اسْتَدَانَ لِمَعْصِيَةٍ وَإِلَّا لَمْ يُطَالَبْ قِيلَ إِجْمَاعًا انْتَهَى

وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ

التَّخْصِيصَ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالٍ مِنْ غَيْرِ إِبْرَازِ اسْتِدْلَالٍ، إِذِ الْأَصْلُ عُمُومُ الْحُكْمِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَمَحَلُّ بَحْثٍ، وَكَذَا مَنِ اسْتَدَانَ لِمَعْصِيَةٍ خَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، ثُمَّ قَالَ مِيرَكُ شَاهْ: ذُكِرَ فِي الْأَقْضِيَةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ افْتَكَّهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَضَى دُيُونَهُ، وَرَوَى إِسْحَاقُ ابْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ افْتَكَّ الدِّرْعَ وَسَلَّمَهَا إِلَى عَلِيٍّ وَأَمَّا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افْتَكَّهَا قَبْلَ مَوْتِهِ فَمُعَارَضٌ بِحَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>