للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ مُعَامَلَةِ الْكُفَّارِ فِيمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ تَحْرِيمُ عَيْنِ الْمُتَعَامَلِ فِيهِ، وَعَدَمُ الِاعْتِبَارِ بِفَسَادِ مُعْتَقَدَاتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ جَوَازُ مُعَامَلَةِ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ يَعْنِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ السِّلَاحِ وَرَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكَافِرِ مَا لَمْ يَكُنْ حَرْبِيًّا، وَفِيهِ ثُبُوتُ الْمَالِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَيْدِيهِمْ وَجَوَازُ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ التَّوَاضُعِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ فِيهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَالْكَرَمِ الَّذِي أَفْضَى إِلَى عَدَمِ الِادِّخَارِ حَتَّى رَهَنَ دِرْعَهُ، وَالصَّبْرِ عَلَى ضِيقِ الْعَيْشِ، وَالْقَنَاعَةِ بِالْيَسِيرِ وَفَضِيلَتِهِ لِآلِهِ وَأَزْوَاجِهِ حَيْثُ يَصْبِرُونَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَالْحِكْمَةُ فِي عُدُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُعَامَلَةِ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ إِلَى مُعَامَلَةِ الْيَهُودِ إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِمْ، أَوْ خَشِيَ أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ ثَمَنًا، أَوْ عِوَضًا فَلَمْ يُرِدِ التَّضْيِيقَ عَلَيْهِمْ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ كَانَ يَقْدِرُ، أَوِ أَطْلَعَ عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا.

(حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ نِسْبَةً إِلَى مَوْضِعٍ بِالْكُوفَةِ (عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانٍ) بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَحْلٍ) أَيْ رَاكِبًا عَلَى قَتَبِ جَمَلٍ (رَثٍّ) بِفَتْحِ رَاءٍ وَتَشْدِيدِ مُثَلَّثَةٍ أَيْ خَلِقٍ بَالٍ (وَعَلَيْهِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ عَلَى الرَّحْلِ لَا عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَوَهَّمَهُ الْحَنَفِيُّ وَجَوَّزَهُمَا، وَقَدَّمَ الثَّانِيَ كَمَا اقْتَصَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى الْأَخِيرِ (قَطِيفَةٌ) أَيْ كِسَاءٌ لَهُ خَمْلٌ وَهُوَ هُدْبُ الْقَطِيفَةِ، أَيِ الْخُيُوطُ بِطَرَفِهِ الْمُرْسَلَةُ مِنَ السَّدَى عَنْ غَيْرِ لُحْمَةٍ عَلَيْهَا (لَا تُسَاوِي) أَيْ لَا يَبْلُغُ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا (أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ) أَيْ حَجِّيَ (حَجًّا لَا رِيَاءَ فِيهِ) بِالْهَمْزَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْيَاءِ وَهُوَ مِمَّا اشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ لِثِقَلِ الْهَمْزَتَيْنِ فَخُفِّفَتِ الْأُولَى لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، وَبِهِ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنَ الْعَشَرَةِ، وَوَقَفَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ مِنَ السَّبْعَةِ، وَمَا نَقَلَهُ الْحَنَفِيُّ مِنَ الْمُغْرِبِ: وَرِيَاءٌ بِالْيَاءِ خَطًّا خَطَأٌ مَعَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ: يُقَالُ رَاءَى فُلَانٌ النَّاسَ يُرَائِيهِمْ مُرَاءَةً وَرَايَاهُمْ مُرَايَاةً عَلَى الْقَلْبِ بِمَعْنًى انْتَهَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرِّيَاءَ عَلَى الْقَلْبِ إِنَّمَا يَكُونُ

بِالْيَاءِ فَقَطْ وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ، أَيْ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِكَيْ يَرَاهُ النَّاسُ شَهَّرَ اللَّهُ رِيَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَلَا سُمْعَةَ) بِضَمِّ سِينٍ فَسُكُونِ مِيمٍ، يُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ سُمْعَةً أَيْ لِيَسْمَعَهُ النَّاسُ وَيَمْدَحُوهُ، وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، أَيْ مَنْ فَعَلَهُ سُمْعَةً شَهَّرَهُ تَسْمِيعًا وَفِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ إِنَّمَا فَعَلَهُ سُمْعَةً وَرِيَاءً أَيْ لِيَسْمَعَهُ النَّاسُ وَيَرُدَّهُ. انْتَهَى، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ اللُّغَةِ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِقَاقُ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَغْلِيبًا، حَيْثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ لِوَجْهِ اللَّهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ وَعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ، وَهَذَا مِنْ عِظَمِ تَوَاضُعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ لَا يَتَطَرَّقُ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ إِلَّا لِمَنْ حَجَّ عَلَى الْمَرَاكِبِ الْبَهِيَّةِ وَالْمَلَابِسِ السَّنِيَّةِ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا قَالَ مِيرَكُ شَاهْ وَضَعَّفَهُ لِأَجْلِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لَهُ مَنَاكِيرُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبَانٍ أَيْضًا مَتْرُوكٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَبِهِ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكَمٍ الْكِنَانِيِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مَوَالِيهِمْ، عَنْ بِشْرِ بْنِ قُدَامَةَ الضَّبَابِيِّ قَالَ: أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>