أَيَّ شَيْءٍ أُحَدِّثُكُمْ، وَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ الْإِحَاطَةَ بِأَحْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَنْكَرَ الْوُقُوفَ عَلَى مَا هُنَالِكَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ أَفَادَهُمْ بَعْضُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يُشِيرُ إِلَى غَايَةِ ضَبْطِهِ وَيُشْعِرُ إِلَى نِهَايَةِ حِفْظِهِ حَيْثُ قَالَ: (كُنْتُ جَارَهُ) أَيْ: فَلِي خِبْرَةٌ بِهِ أَتَمُّ مِنْ غَيْرِي فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى قُرْبِهِ الصُّورِيِّ، وَأَمَّا الشَّاهِدُ عَلَى دُنُوِّهِ الْمَعْنَوِيِّ فَقَوْلُهُ (فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَى) أَيْ: أَرْسَلَ أَحَدًا إِلَيَّ يَطْلُبُنِي لِكِتَابَةِ الْوَحْيِ غَالِبًا فَإِنَّهُ مِنْ أَجَلِّ الْكَتَبَةِ وَأَكْثَرِهِمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ (فَكَتَبْتُهُ لَهُ) أَيِ: الْوَحْيَ (فَكُنَّا) أَيْ: مَعْشَرَ الصَّحَابَةِ (إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا) أَيْ: ذَمًّا أَوْ مَدْحًا لِكَوْنِهَا مَزْرَعَةَ الْآخِرَةِ وَمَحَلَّ الِاعْتِبَارِ لِأَرْبَابِ الْمَعْرِفَةِ (ذَكَرَهَا مَعَنَا) وَالْمُرَادُ: بِذِكْرِ الدُّنْيَا ذِكْرُ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدُّنْيَا الْمُعِينَةِ عَلَى أَحْوَالِ الْعُقْبَى كَالْجِهَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ فِي أُمُورِهِ وَالتَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِهِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ مَصَالِحِهِ وَآلَاتِهِ وَسِلَاحِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ (وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا) أَيْ: وَبَيَّنَ لَنَا تَفَاصِيلَ أَحْوَالِهَا أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُرَغِّبَةِ وَالْمُرَهِّبَةِ وَغَيْرِهَا (وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ) أَيْ: ضَرَرَهُ وَنَفْعَهُ وَآدَابَ أَكْلِهِ وَبَيَانَ أَنْوَاعِهِ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَالْفَوَاكِهِ وَسَائِرِ الْمُسْتَلَذَّاتِ (ذَكَرَهُ مَعَنَا) وَأَفَادَ فِي كُلٍّ مِنَ الْحِكَمِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَمَا يَتَحَصَّلُ بِهِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ وَمَضَرَّتِهِ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنَ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ مِمَّا يَكَادُ يَعْجِزُ الْوَاحِدُ عَنْ بَيَانِ الْعِلْمِ الْمُصْطَفَوِيِّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَرَّرَ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا فِي أَحْوَالِهِ فِي مَجْلِسِهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الدُّنْيَا وَالطَّعَامِ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ فَوَائِدُ عِلْمِيَّةٌ وَأَدَبِيَّةٌ وَبِتَقْدِيرِ خُلُوِّهِ عَنْهُمَا فَفِيهِ بَيَانُ جَوَازِ تَحَدُّثِ الْكَبِيرِ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَمِثْلُ هَذَا الْبَيَانِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ) بِالرَّفْعِ عَلَى مَا هُوَ الثَّابِتُ فِي الرِّوَايَةِ، وَالرَّابِطَةُ فِي خَبَرِهِ مَحْذُوفَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَجُوزُ النَّصْبُ وَالتَّقْدِيرُ أُحَدِّثُكُمْ إِيَّاهُ (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِيهِ تَأْكِيدٌ لِصِحَّةِ
مَرْوِيِّهِ وَإِظْهَارٌ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ.
(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ) نِسْبَةً إِلَى قُرَيْظَةَ مُصَغَّرًا قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ يَهُودِ الْمَدِينَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) بِلَا يَاءٍ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْجُمْهُورُ عَلَى كِتَابَتِهِ بِالْيَاءِ، وَحَذْفُهَا لُغَةٌ كَمَا قَرَأَ بِهِ السَّبْعُ فِي (الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) انْتَهَى، وَالْمُرَادُ: بَعْضُ السَّبْعِ؛ لِأَنَّ ابْنَ كَثِيرٍ يُثْبِتُ الْيَاءَ فِيهِ وَصْلًا وَوَقْفًا، وَهَذَا مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَاصِيَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْمُعْتَلِّ اللَّامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْأَجْوَفُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَعْيَاصُ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْلَادُ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْأَكْبَرِ وَهُمُ الْعَاصُ وَأَبُو الْعَاصِ وَالْعِيصُ وَأَبُو الْعِيصِ (قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَى أَشَرِّ الْقَوْمِ) قَالَ مِيرَكُ: أَشَرُّ جَاءَ عَلَى الْأَصْلِ وَمِنْهُ «صُغْرَاهَا شُرَّاهَا» ، وَيُقَالُ: خَيْرٌ وَأَخْيَرُ وَشَرٌّ وَأَشَرُّ لَكِنَّ الَّذِي بِالْأَلِفِ أَقَلُّ اسْتِعْمَالًا انْتَهَى، وَفِي الْقَامُوسِ أَشَرُّ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيَّةٌ، وَهِيَ شَرَّةٌ وَشُرَّى (يَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِكَ) أَيْ: بِمَا ذَكَرَ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute