مُشَدَّدَةٍ وَكَسْرِهَا بِلَا تَنْوِينٍ وَبِهِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَقْرُوءٌ بِهَا فِي السَّبْعِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِيهَا عَشَرَةَ لُغَاتٍ: فَتْحُ الْفَاءِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا بِلَا تَنْوِينٍ وَبِالتَّنْوِينِ فَهَذِهِ سِتٌّ، وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَأُفِّي وَأُفَّةٍ بِضَمِّ هَمْزَتِهِمَا.
وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَتَضَجَّرُ وَأَتَكَرَّهُ قَالَ مِيرَكُ: وَأَصْلُ الْأُفِّ وَسَخُ الظُّفْرِ وَالْأُذُنِ وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا يُتَضَجَّرُ أَوْ يُسْتَثْقَلُ: أُفٍّ لَهُ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَ تَعَالَى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكِرْمَانِيُّ فِيهَا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ لُغَةً وَزَادَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَاحِدَةً فَأَكْمَلَهَا أَرْبَعِينَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ مِيرَكُ فِي شَرْحِهِ (قَطُّ) بِفَتْحِ قَافٍ وَتَشْدِيدِ طَاءٍ مَضْمُومَةٍ كَذَا فِي الْأُصُولِ أَيْ: أَبَدًا أَوْ جَازَ فِيهِ
ضَمُّ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ، وَضَمُّهُ وَفَتْحٌ فَسُكُونٌ أَوْ كَسْرٌ مَعَ التَّشْدِيدِ وَعَدَمِهِ، وَهِيَ لِتَوْكِيدِ نَفْيِ الْمَاضِي (وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ) أَيْ: مِمَّا لَا يَنْبَغِي صُنْعُهُ أَوْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلِيقُ فِعْلُهُ (لِمَ صَنَعْتَهُ) أَيْ: لِأَيِّ شَيْءٍ صَنَعْتَهُ (وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ كَذَا وَأَلَّا صَنَعْتَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ بِمَعْنَى هَلَّا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ لِشَيْءٍ مِمَّ يَصْنَعُهُ الْخَادِمُ وَعِنْدَهُ أَيْضًا مِمَّا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَلِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ مَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا كَذَا وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا كَذَا أَوْ هَذَا مِنْ كَمَالِ خُلُقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَفْوِيضِ أَمْرِهِ وَمُلَاحَظَةِ تَقْدِيرِ رَبِّهِ، وَأَمَّا تَجْوِيزُ ابْنِ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مِنْ كَمَالِ أَدَبِ أَنَسٍ فَبَعِيدٌ جِدًّا مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَعُنْوَانِ الْبَابِ، وَلِعَدَمِ تَصَوُّرِ وَلَدٍ عُمْرُهُ عَشْرُ سِنِينَ يَخْدُمُ عَشْرَ سِنِينَ لَا يَقَعُ مِنْهُ مَا يُوجِبُ تَأْفِيفَهُ وَلَا تَقْرِيعَهُ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي مِدْحَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا مَدْحَ نَفْسِهِ فِي هَذَا الْكَلَامِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَرْكَ اعْتِرَاضِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَنَسٍ إِنَّمَا هُوَ لِغَرَضٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِآدَابِ خِدْمَتِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُقُوقِ مُلَازَمَتِهِ بِنَاءً عَلَى حِلْمِهِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُقُوقِ الرَّبَّانِيَّةِ وَلَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِحُقُوقِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَفْرَادِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا) قِيلَ: «مِنْ» زَائِدَةٌ وَلَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودُ غَيْرِهِ أَحْسَنَ مِنْهُ؛ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: زَيْدٌ مِنْ أَفْضَلِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ لَمْ يُنَافِ ذَلِكَ كَوْنَهُ أَفْضَلَهُمْ إِذِ الْأَفْضَلُ الْمُعَدَّدُ بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ: لِأَنَّ (كَانَ) لِلِاسْتِمْرَارِ وَالدَّوَامِ فَإِذَا كَانَ دَائِمًا مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا انْتَهَى، وَكَانَ مُرَادُهُمْ أَنَّ سَائِرَ الْخَلْقِ وَلَوْ حَسُنَ خُلُقُهُمْ أَحْيَانًا سَاءَ خُلُقُهُمْ زَمَانًا بِخِلَافِ حُسْنِ خُلُقِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى الدَّوَامِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَبَطَلَ تَعَقُّبُ ابْنِ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ تَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَكَ مَا فِيهِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي ذَوْقٍ سَلِيمٍ.
قَالَ
قَالَ مِيرَكُ: وَقَدْ ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْخَاءِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ لِلْمَقَامِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ حُسْنِ مُعَاشَرَتِهِ، قُلْتُ: هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّابِقِ دُونَ نِسْبَتِهَا إِلَى اللَّاحِقِ، وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكِرْمَانِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِأَحْسَنِ النَّاسِ حُسْنَ الْخِلْقَةِ، وَهُوَ تَابِعٌ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ الَّذِي يَتْبَعُهُ صَفَاءُ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ الَّذِي نَشَأَ عَنْهُ الْحِكْمَةُ، نَعَمِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ بِالضَّمِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: حَقِيقَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ بَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَكَفُّ الْأَذَى وَطَلَاقَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute