الْوَجْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ مُخَالَطَةُ النَّاسِ بِالْجَمِيلِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ الْفَضَائِلِ وَاجْتِنَابُ الرَّذَائِلِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْعُنْوَانِ مَا يَسْتَغْنِي عَنْ زِيَادَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ هُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُهُ بِأُنْسٍ وَنَحْوِهِ (وَلَا مَسِسْتُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَبِفَتْحٍ أَيْ مَا لَمَسْتُ (خَزًّا) بِفَتْحِ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ زَايٍ، قِيلَ: الْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبَرِهَا فَيَكُونُ فَرْوًا نَاعِمًا عَلَى مَا فِي مِنْهَاجِ اللُّغَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْخَزُّ: ثِيَابٌ يُعْمَلُ مِنْ صُوفٍ وَإِبْرَيْسَمَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْخَزُّ مُرَكَّبٌ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُبَاحٌ إِنْ لَمْ يَزِدِ الْحَرِيرُ وَزْنًا، وَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ الظُّهُورِ فَقَطْ، انْتَهَى، وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ إِنْ كَانَ السَّدَى حَرِيرًا وَاللُّحْمَةُ غَيْرَهُ فَهُوَ مُبَاحٌ وَعَكْسُهُ حَرَامٌ إِلَّا فِي الْحَرْبِ (وَلَا حَرِيرًا) أَيْ: خَالِصًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا لَفْظُ قَطُّ، وَفِي بَعْضِهَا بَعْدُ خَزًّا (وَلَا شَيْئًا) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ (كَانَ) أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ أَوْ شَيْءٍ (أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَمَمْتُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ كَذَا فِي أَصْلِ السَّيِّدِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا انْتَهَى، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَفِي الْقَامُوسِ: الشَّمُّ حُسْنُ الْأَنْفِ شَمِمْتُهُ بِالْكَسْرِ أَشَمُّهُ بِالْفَتْحِ وَشَمَمْتُهُ بِالْفَتْحِ أَشُمُّهُ بِالضَّمِّ (مِسْكًا) وَهُوَ طِيبٌ مَعْرُوفٌ (قَطُّ وَلَا عِطْرًا) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ: مُطْلَقُ الطِّيبِ فَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ (كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَالْعَرَقُ بِفَتْحَتَيْنِ مَعْرُوفٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ عَيْنٍ وَسُكُونِ رَاءٍ فَفَاءٍ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.
وَكَانَ طِيبُ عَرَقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حَتَّى كَانَ بَعْضُ النِّسَاءِ يَأْخُذْنَهُ وَيَتَعَطَّرْنَ بِهِ وَكَانَ مِنْ أَطْيَبِ طِيبِهِنَّ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَمَعَ كَوْنِ هَذِهِ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ صِفَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ طِيبًا كَانَ يَسْتَعْمِلُ الطِّيبَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مُبَالَغَةً فِي طِيبِ رِيحِهِ لِمُلَاقَاةِ الْمَلَائِكَةِ وَأَخْذِ الْوَحْيِ الْكَرِيمِ وَمُجَالَسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِفَوَائِدَ أُخْرَى مِنَ الِاقْتِدَاءِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ وَرَدَ (حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ: النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ) .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ عَشْرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ (وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ) فَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَعَلَّ ابْتِدَاءَ خِدْمَةِ أَنَسٍ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ فَفِي رِوَايَةِ التِّسْعِ لَمْ يَجْبُرِ الْكَسْرَ وَاعْتَبَرَ
السِّنِينَ الْكَوَامِلَ، وَفِي رِوَايَةِ الْعَشْرِ جَبَرَهَا، وَاعْتَبَرَهَا سَنَةً كَامِلَةً، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ خِدْمَتِهِ لَهُ كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَبَعْدَ تَزْوِيجِ أُمِّهِ أُمِّ سُلَيْمٍ بِأَبِي طَلْحَةَ.
فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي. الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ أَنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَيَخْدُمُكَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَأَشَارَ بِالسَّفَرِ إِلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَغَازِي مِنَ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ مَنْ يَخْدُمُهُ فَأَحْضَرَ لَهُ أَنَسًا فَأَشْكَلَ هَذَا عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَبَيْنَ خُرُوجِهِ إِلَى خَيْبَرَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ مَنْ يَكُونُ أَسَنَّ مِنْ أَنَسٍ وَأَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ فِي السَّفَرِ فَعَرَفَ أَبُو طَلْحَةَ مِنْ أَنَسٍ الْقُوَّةَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ بِأَبِي طَلْحَةَ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا بَادَرَتْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَوَالِدُ أَنَسٍ حَيٌّ فَعَرَفَ بِذَلِكَ فَلَمْ يُسْلِمْ، وَخَرَجَ فِي حَاجَتِهِ فَقَتَلَهُ عَدُوٌّ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ قَدْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ فَاتَّفَقَ أَنَّهُ خَطَبَهَا فَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِمَ فَأَسْلَمَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُدَّةُ خِدْمَةِ أَنَسٍ تِسْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرٍ فَأَلْغَى الْكَسْرَ مَرَّةً وَجَبَرَهُ أُخْرَى كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ.
وَأَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِينَ فَمَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ وَلَا ضَرَبَنِي ضَرْبَةً قَطُّ وَلَا عَبَسَ فِي وَجْهِي وَلَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَطُّ فَتَوَانَيْتُ فَعَاتَبَنِي عَلَيْهِ فَإِنْ عَاتَبَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ شَيْءٌ كَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute