وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّ الْيَاءِ فَسُكُونِ وَاوٍ فَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ: لَا يَجْعَلُ غَيْرَهُ يَائِسًا مِمَّا لَا يَشْتَهِيهِ فَهُوَ مِنَ الْإِيئَاسِ وَالْمَاضِي آيَسَ أَوِ أَيْأَسَ عَلَى مَا فِي التَّاجِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَالْيَأْسُ انْقِطَاعُ الرَّجَاءِ، يُقَالُ: يَئِسَ مِنْهُ فَهُوَ يَائِسٌ وَذَلِكَ مَيْئُوسٌ مِنْهُ وَأَيْأَسْتُهُ أَنَا إِيئَاسًا جَعَلْتُهُ يَائِسًا، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى آيَسَ وَآيَسَهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فَعَلَى يُويِسُ إِنْ كَانَ مِنْ إِيَاسَتِهِ فَهُوَ مُعْتَلُّ الْفَاءِ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ آيَسْتُهُ فَبِالْعَكْسِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَالضَّمِيرُ مِنْهُ رَاجِعٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: لَا يَجْعَلُ رَاجِيَهُ آيِسًا مِنْ كَرَمِهِ وَجَعَلَ ابْنُ حَجَرٍ الْجُمْلَةَ حَالِيَّةً حَيْثُ قَالَ: وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُؤْيِسُ مِنْهُ رَاجِيَهُ أَيْ: لَا يُصَيِّرَهُ آيِسًا مِنْ بِرِّهِ وَخَيْرِهِ انْتَهَى. وَالتَّحْقِيقُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (وَلَا يُجِيبُ فِيهِ) بِالْجِيمِ مِنَ الْإِجَابَةِ وَضَمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إِلَى مَا لَا يَشْتَهِي، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجِيبُ أَحَدًا فِيمَا لَا يَشْتَهِي بَلْ يَسْكُتُ عَنْهُ عَفْوًا وَتَكَرُّمًا، وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا يُخَيِّبُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ: وَلَا يَجْعَلُهُ مَحْرُومًا بِالْكُلِّيَّةِ فَقِيلَ ضَمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: لَا يُخَيِّبُ مَنْ رَجَاهُ كُلَّ مَا ارْتَجَاهُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَائِدٌ أَيْضًا إِلَى مَا لَا يَشْتَهِي كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ بِمَعْنَاهُ، وَفِي أُخْرَى عَلَى وَزْنِ يَبِيعُ مِنَ الْخَيْبَةِ بِمَعْنَى الْحِرْمَانِ، وَقَدْ ضُعِّفَتْ هَذِهِ النُّسْخَةُ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ لَهُ فَاعِلٌ أَيْ: لَا يَخِيبُ رَاجِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَنَّهَا تَرْجِعُ لِلَّتِي قَبْلَهَا فَوَهْمٌ مِنْهُ فِي الْمَبْنَى وَسَهْوٌ فِي الْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أُولِي النُّهَى، ثُمَّ رَأَيْتُ كَلَامَ مِيرَكَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صُحِّحَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنَ الْمُجَرَّدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْخَيْبَةَ لَازِمٌ وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ) أَيْ: مَنَعَهَا فَامْتَنَعَ (مِنْ ثَلَاثٍ) أَيْ: مِنَ الْخِصَالِ الذَّمِيمَةِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَرَكَ يُضَمَّنُ مَعْنَى الْمَنْعِ، وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ بِزِيَادَةِ مِنْ فِي التَّمْيِيزِ أَيْ: تَرَكَ ثَلَاثَةَ نَفْسِهِ إِلَى آخِرِ مَا تُكُلِّفَ وَتُعُسِّفَ (الْمِرَاءِ) أَيِ: الْجِدَالِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ (مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ، وَهُوَ مُحِقٌّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ) فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَيِ: الْجِدَالَ الْبَاطِلَ مُخِلٌّ بِالْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْعُمُومُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَدْحِ كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ لَا سِيَّمَا وَالْقَائِلُ مَذْهَبُهُ اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ هَذَا يُشْكِلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَكَأَنَّهُ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ فَهْمِ مَعْنَى الْآيَةِ فَتَفْسِيرُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي: جَادِلْ مُعَانِدِيهِمْ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ طُرُقِ الْمُجَادَلَةِ مِنَ الرِّفْقِ وَاللِّينِ وَإِيثَارِ الْوَجْهِ الْأَيْسَرِ وَالْمُقَدِّمَاتِ الْأَشْهَرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ فِي تَسْكِينِ لَهِيبِهِمْ وَتَلْيِينِ شَغْبِهِمْ، وَفِي تَفْسِيرِ السُّلَمِيِّ هِيَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا حُظُوظُ النَّفْسِ هَذَا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ الْمُؤْمِنُونَ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ الْآتِي وَلَا يَذُمُّ أَحَدًا، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلَهُ «الرِّيَاءِ» قُلْتُ وَلَمْ يَذْكُرْ مِيرَكُ وَلَا رَأَيْنَاهُ
أَيْضًا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ، وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ فِي الْمَبْنَى لِعَدَمِ مُلَايَمَتِهِ فِي الْمَعْنَى (وَالْإِكْبَارِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فَمُوَحَّدَةٍ أَيْ: مِنِ اسْتِعْظَامِ نَفْسِهِ فِي الْجُلُوسِ وَالْمَشْيِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ فِي مُعَاشَرَتِهِ مَعَ النَّاسِ مِنْ أَكْبَرَهُ إِذَا اسْتَعْظَمَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْإِكْبَارِ جَعْلُ الشَّيْءِ كَبِيرًا بِالْبَاطِلِ فَلَا يُنَافِيهِ (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ) وَنَحْوُهُ انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا إِلَّا تَحْدِيثًا بِنِعْمَةِ الْمَوْلَى لَا افْتِخَارًا وَاسْتِعْظَامًا بِمُقْتَضَى الْهَوَى، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيِّ، وَالْمُرَادُ: إِكْبَارُ نَفْسِهِ أَوْ إِكْبَارُ غَيْرِهِ أَوْ إِكْبَارُهُمَا مَعًا فَفِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي خُصُوصِ نَفْسِهِ قَالَ مِيرَكُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ «الْإِكْثَارِ» بِالْمُثَلَّثَةِ وَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيُّ: فَجَعَلَهُ أَصْلًا وَالْمُوَحَّدَةَ فَرْعًا كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ خِلَافَ طَرِيقِ الْمُحْدَثِينَ، وَالْمُرَادُ بِهِ: إِكْثَارُ الْكَلَامِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ الْمَرَامِ لَا طَلَبُ الْكَثِيرِ مِنْ مَالٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَلَا جَعَلَهُ كَثِيرًا كَمَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّ (وَمَا لَا يَعْنِيهِ) أَيْ: مَا لَا يَهُمُّهُ فِي دِينِهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي دُنْيَاهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (وَتَرَكَ النَّاسَ) أَيْ: ذِكْرَهُمْ (مِنْ ثَلَاثٍ) فَالْقَصْدُ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ رِعَايَةُ أَحْوَالِهِمْ كَمَا أَنَّ الْقَصْدَ بِالثَّلَاثِ الْأُوَلِ مُرَاعَاةُ حَالِهِ وَإِلَّا فَقَدَ يَنْدَرِجُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ: يُمْكِنُ جَعْلُ هَذِهِ الثَّلَاثِ أَيْضًا مِمَّا تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْهُ، لَكِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute