ابْنُ الْأَثِيرِ: الْأَخْمَصُ مِنَ الْقَدَمِ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَلْصِقُ بِالْأَرْضِ مِنْهَا عِنْدَ الْوَطْءِ، وَالْخُمْصَانُ الْمَبَالِغُ مِنْهُ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ أَسْفَلِ قَدَمَيْهِ شَدِيدُ التَّجَافِي عَنِ الْأَرْضِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: إِذَا كَانَ خَمْصُ الْأَخْمَصِ بِقَدْرٍ لَمْ يَرْتَفِعْ جِدًّا وَلَمْ يَسْتَوِ أَسْفَلُ الْقَدَمِ جِدًّا فَهُوَ أَحْسَنُ مَا يَكُونُ وَإِذَا اسْتَوَى أَوِ ارْتَفَعَ جِدًّا فَهُوَ ذَمٌّ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْأَنْسَبُ بِأَوْصَافِهِ أَنَّ أَخْمَصَهُ مُعْتَدِلُ الْخَمْصِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، انْتَهَى كَلَامُ النِّهَايَةِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَخِيرَ مَا فِي الْفَائِقِ: يَعْنِي أَنَّهُمَا مُرْتَفِعَانِ عَنِ الْأَرْضِ لَيْسَ بِالْأَرَحِّ الَّذِي يَمَسُّهَا أَخْمَصَاهُ، وَالْأَرَحُّ بِالرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُ هَذَا، قَالَ فِيهِ: إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا لَيْسَ لَهُ أَخْمَصَ، قَالَ: وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ: مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ، وَبِهِ قَالُوا سُمِّي الْمَسِيحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخْمَصَ كَذَا قَالَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ أَيَّدَهُ بِمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ ذَكَرَ قَوْلَهُ: " مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ " عَقِيبَ قَوْلِهِ: " خُمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ " فَلَوْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخْمَصَ لَكَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ، فَظَهَرَ أَنَّ لِقَوْلِهِ: " مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ " مَعْنًى آخَرَ - كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ -، وَظَهَرَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مِمَّا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنْ خَمْصَهُ فِي غَايَةِ الِاعْتِدَالِ فَمَنْ أَثْبَتَ الْخَمْصَ
أَرَادَ أَنَّ فِي قَدَمَيْهِ خَمْصًا يَسِيرًا، وَمَنْ نَفَاهُ نَفَى شِدَّتَهُ، قَالَ مِيرَكُ: هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ قَوِيَّةٍ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ هِنْدٍ هَذَا لَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ لِأَجْلِ جُمَيْعِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ النُّقَّادِ وَإِنْ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ ذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ وَفِيهِ مَجْهُولَانِ أَيْضًا، انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ: إِنَّ النِّهَايَةَ جَعَلَهَا مُبَالَغَةً فِي ارْتِفَاعِهَا، وَزَعَمَ أَنَّ الصِّيغَةَ لِلْمُبَالَغَةِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ مَفْهُومَةٌ مِنْ إِضَافَةِ " الْخُمْصَانِ " إِلَى " الْأَخْمَصَيْنِ "، ثُمَّ قَدْ يُقَالُ لِبَاطِنِ الْقَدَمِ أَخْمَصُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَيُنَافِيهِ مَا فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّ الْأَخْمَصَ هُوَ الشَّخْصُ لَا الْمَوْضِعُ الْخَاصُّ مِنْهُ، لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ سُمِّيَ أَخْمَصَ لِضُمُورِهِ وَدُخُولُهُ فِي الرِّجْلِ، يُقَالُ خَمُصَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ خَمْصًا وَرَجُلٌ خُمْصَانٌ بِالضَّمِّ وَامْرَأَةٌ خُمْصَانَةٌ إِذَا كَانَا ضَامِرَيِ الْبَطْنِ. (مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ) : أَيْ أَمَلَسُهُمَا لَيْسَ فِيهِمَا تَكَسُّرٌ وَلَا شِقَاقٌ، وَفِي الْفَائِقِ يُرِيدُ مَمْسُوحَ ظَاهِرِ الْقَدَمَيْنِ أَيْ مَلْسَاوَانِ لَيِّنَتَانِ، فَالْمَاءُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِمَا مَرَّ مَرًّا سَرِيعًا، وَيُفَسِّرُهُ أَوْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (يَنْبُو) : عَلَى وَزْنِ يَدْعُو أَيْ يَتَبَاعَدُ وَيَتَجَافَى. (عَنْهُمَا الْمَاءُ) : وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ: أَيْ ظَهْرُ قَدَمِهِ أَمْلَسُ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِمَلَاسَتِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ الَّذِي لَيْسَ بِكَثِيرِ اللَّحْمِ فِيهِمَا. (إِذَا زَالَ) : أَيْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَفَعَ عَنْ مَكَانِهِ، أَوْ زَالَ قَدَمُهُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، فَإِنَّ الْقَدَمَ مُؤَنَّثٌ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ رَدًّا عَلَى الْجَوْهَرِيِّ، وَأَغْرَبَ مَنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ إِلَى الْمَاءِ نَظَرًا إِلَى الْقُرْبِ اللَّفْظِيِّ وَغَفَلَ عَنِ الْفَسَادِ الْمَعْنَوِيِّ. . (زَالَ قَلْعًا) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ رَفَعَ رِجْلَهُ عَنِ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا بِقُوَّةٍ لَا كَمَنْ يَمْشِي اخْتِيَالًا وَيُقَارِبُ خُطَاهُ تَبَخْتُرًا، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: رُوِيَ قَلْعًا بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ فَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَيْ يَزُولُ قَالِعًا لِلرِّجْلِ مِنَ الْأَرْضِ وَبِالضَّمِّ إِمَّا مَصْدَرٌ أَوِ اسْمٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الْفَتْحِ أَيْضًا، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: قَرَأْتُ هَذَا الْحَرْفَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الْأَنْبَارِيِّ قَلْعًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَكَذَلِكَ قَرَأْتُهُ بِخَطِّ الْأَزْهَرِيِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَلْعًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَصْدَرًا أَوِ اسْمًا بِمَعْنَاهُ مَفْعُولًا مُطْلَقًا أَيْ زَالَ زَوَالَ قَلْعٍ، وَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِمَّا وَرَدَ فِي وَصْفِ مَشْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صَبَبٍ إِذْ الِانْحِدَارُ مِنَ الصَّبَبِ وَالْقَلْعُ مِنَ الْأَرْضِ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ التَّثْبِيتَ وَلَا يَتَبَيَّنُ مِنْهُ حِينَئِذٍ اسْتِعْجَالٌ وَلَا اسْتِمْهَالٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أَيْ تَوَسَّطْ فَإِنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، قَالَ الْعِصَامُ: قَلِعًا كَكَتِفٍ حَالٌ وَغَيْرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute