للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيْ: إِلَى أَنْ (كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ) أَيْ: يَتَمَنَّوْنَ مَأْتَى الْغُرَبَاءِ إِلَى مَجْلِسِهِ الْأَقْدَسِ، وَمَقَامِهِ الْأَنْفَسِ؛ لِيَسْتَفِيدُوا بِسَبَبِ أَسْئِلَتِهِمْ مَا لَا يَسْتَفِيدُونَهُ فِي غَيْبَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَهَابُونَ بِسُؤَالِهِ، وَالْغُرَبَاءُ لَا يَهَابُونَ فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا بَدَا لَهُمْ لِيُجِيبَهُمْ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَجِيئُونَ مَعَهُمْ بِالْغُرَبَاءِ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ أَجْلِ احْتِمَالِهِ عَنْهُمْ وَصَبْرِهِ عَلَى مَا يَكُونُ فِي سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ كَانُوا مَمْنُوعِينَ عَنْ سُؤَالِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ نَهْيُهُمْ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ كَمَا فِي الْأَرْبَعِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ) .

قَالَ مِيرَكُ: لَكِنَّ مَعْنَى الْغَايَةِ الَّتِي فُهِمَتْ مِنْ حَتَّى لَا

يُلَايِمُ هَذَا الْمَعْنَى إِلَّا بِتَكَلُّفٍ انْتَهَى.

وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْهُ فِي هَذَا الْمَبْنَى، وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ أَصْحَابَهُ يَسْتَجْلِبُونَ خَوَاطِرَ الْغُرَبَاءِ لِمَا رَأَوْا مِنْ صَبْرِهِ لَهُمْ وَكَثْرَةِ احْتِمَالِهِ عَنْهُمْ وَزِيَادَةِ مُلَاحَظَةِ حَالِهِمْ، قِيلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِجْلَابِ جَذْبَهُمْ عَنْ مَجْلِسِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْعَهُمْ مِنَ الْجَفَاءِ وَتَرْكِ الْأَدَبِ قُلْتُ هَذَا بَعِيدٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً.

وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِجْلَابِ جَلْبُ نَفْعِهِمْ أَوْ جَلْبُهُمْ إِلَى مَجْلِسِهِ الْمُقَدَّسِ أَوْ جَلْبُ قُلُوبِهِمْ قَالَ مِيرَكُ: وَأَمَّا مَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِجْلَابِ جَلْبُ نَفْعِهِمْ أَوْ جَلْبُهُمْ إِلَى مَجْلِسِهِ الْمُقَدَّسِ أَوْ جَلْبُ قُلُوبِهِمْ قَالَ مِيرَكُ: وَأَمَّا مَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِجْلَابِ جَلْبُ نَفْعِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى قُلْتُ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ نَفْعُ الْغُرَبَاءِ لِأَنْفُسِهِمْ أَوْ لِلصَّحَابَةِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: جَلْبُ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ دَأْبِهِمْ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِجَلْبِهَا جَذْبُهَا بِالْإِمَالَةِ فَيَرْجِعُ إِلَى مَا قَبْلَهُ فِي الْمَعْنَى (وَيَقُولُ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ) أَيْ: دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ (يَطْلُبُهَا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَأَرْفِدُوهُ) مَنِ الْإِرْفَادِ أَيْ: أَعِينُوهُ عَلَى طِلْبَتِهِ وَأَعِينُوهُ عَلَى بُغْيَتِهِ (وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ) أَيِ: الْمَدْحَ (إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ) بِالْهَمْزِ أَيْ: مُقَارِبٍ فِي مَدْحِهِ غَيْرِ مُجَاوِزٍ بِهِ عَنْ حَدِّ مِثْلِهِ، وَلَا مُقَصِّرٍ بِهِ عَمَّا رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ عُلُوِّ مَقَامِهِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ قَالَ (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَلَكِنْ قُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) .

فَإِذَا قِيلَ هُوَ نَبِيُّ اللَّهِ أَوْ رَسُولُ اللَّهِ فَقَدْ وَصَفَهُ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ مَدْحٌ مُكَافِئٌ لَهُ يُقَالُ: هُوَ كُفْئُوهُ أَيْ: مِثْلُهُ، وَقَالَ مِيرَكُ: فَالْمُرَادُ: مُكَافَأَةُ الْوَاقِعِ وَمُطَابَقَتُهُ، وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ إِسْلَامِهِ مِنَ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ طَابَقَ لِسَانُهُمْ جَنَانَهُمْ، وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُ فِي جُمْلَةِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ فَإِذَا كَانَ الْمُثْنَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَكَانَ مُكَافِئًا مَا سَلَفَ مِنْ نِعْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ قَبِلَ ثَنَاءَهُ وَإِلَّا فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذِهِ الْإِشَارَةِ عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَالَ مِيرَكُ: فَالْمُكَافِئُ بِمَعْنَى الْمُمَاثِلِ لَهُ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى رَجُلٍ نِعْمَةً فَكَافَأَهُ قَبِلَ ثَنَاءَهُ، أَثْنَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُنْعِمَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْ، فَالْمُمَاثِلُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الْمُجَازِي قَالَ مِيرَكُ: وَهَذَا بَعِيدٌ وَخُطِّئَ قَائِلُهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَنْفَكُّ مِنْ نِعْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ انْتَهَى.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمِنَّةِ الصُّورِيَّةِ لَا فِي النِّعْمَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، فَالْمُرَادُ: بِهِ أَنَّ الْمُثْنِيَ إِذَا قَالَ مَثَلًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ الْكَرَمِ وَالْجُودِ وَلَيْسَ مِثْلُهُ مَوْجُودًا فِي الْوُجُودِ فَإِنْ سَبَقَ لَهُ إِحْسَانٌ إِلَيْهِ وَإِنْعَامٌ عَلَيْهِ قَبِلَ مِنْهُ هَذَا الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ، وَإِلَّا فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَمًّا لِقَوْمٍ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا، وَفِي النِّهَايَةِ نَسَبَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَى الْقُتَبِيِّ وَتَغْلِيطَهُ إِلَى ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ (وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ) أَيْ: حَدِيثَ أَحَدٍ لَا حَدِيثَ نَفْسِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْحَنَفِيُّ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (حَتَّى يَجُوزَ) هُوَ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ أَيْ: يَتَجَاوَزُ عَنِ الْحَدِّ أَوْ يَتَعَدَّى عَنِ الْحَقِّ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ مِنَ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَفِي نُسْخَةٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ أَيْ: يَجْمَعُ مَا أَرَادَهُ الْمُتَكَلِّمُ انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ

لِقَوْلِهِ (فَيَقْطَعَهُ) هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَا فِي أَصْلِ السَّيِّدِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالرَّفْعِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ: فَيَقْطَعُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَئِذٍ حَدِيثَ ذَلِكَ الْأَحَدِ (بِنَهْيٍ) أَيْ: لَهُ عَنِ الْحَدِيثِ (أَوْ قِيَامٍ) أَيْ: عَنِ الْمَجْلِسِ هَذَا، وَقَالَهُ مِيرَكُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>