للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ (حَتَّى يَجُوزَ) كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ السَّمَاعِ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ وَصَحَّحَ فِي الْوَفَاءِ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَصَحَّحَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَفَاءِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الزَّايَ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا فَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: مَا طُلِبَ (شَيْئًا) أَيْ: مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا (قَطُّ فَقَالَ لَا) أَيْ: بَلْ إِمَّا أَعْطَاهُ أَوْ وَعَدَهُ إِيَّاهُ أَوْ فِي حَقِّهِ دَعَا اللَّهَ حَتَّى أَغْنَاهُ عَمَّا سِوَاهُ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِالرَّدِّ بَلْ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَعْطَاهُ وَإِلَّا يَسْكُتُ كَمَا فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ لِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، وَلَفْظُهُ إِذَا سُئِلَ فَأَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ قَالَ نَعَمْ وَإِذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَفْعَلَ سَكَتَ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِالْتِمَاسِ الْفِعْلِ وَالْأَوَّلُ مَخْصُوصٌ بِسُؤَالِ الْعَطَاءِ، ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ يَسْكُتُ عَنْ صَرِيحِ الرَّدِّ فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنَ الدُّعَاءِ وَالْوَعْدِ، وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا مِثْلَ أَغْنَاكُمُ اللَّهُ رَزَقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَكَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَيُبَيِّنُهُ حَدِيثُ السَّابِقِ (مَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، وَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى نَفْيِ لَا فَقَطْ بِنَاءً عَلَى الْغَلَبَةِ فِي الْعَطَاءِ وَعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ الدُّعَاءِ، وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ يَقُلْ لَا مَنْعًا لِلْعَطَاءِ بَلِ اعْتِذَارًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا، وَلَا أَحْمِلُكُمُ انْتَهَى.

وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَشْعَرِيِّينَ لَمَّا طَلَبُوهُ الْحُمْلَانَ وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا وَقَعَ كَالتَّأْدِيبِ لَهُمْ بِسُؤَالِهِمْ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ مَعَ تَحَقُّقِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» وَمِنْ ثَمَّةَ حَلَفَ قَطْعًا لِطَمَعِهِمْ فِي تَكَلُّفِهِ التَّحْصِيلَ بِنَحْوِ قَرْضٍ أَوِ اسْتِيهَابٍ مَعَ عَدَمِ الِاضْطِرَارِ، وَهَذَا مُجْمَلُ كَلَامِ الْعَسْقَلَانِيِّ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْفَرَزْدَقِ

مَا قَالَ لَا قَطُّ إِلَّا فِي تَشَهُّدِهِ ... لَوْلَا التَّشَهُّدُ كَانَتْ لَاؤهُ نَعَمُ.

(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُرَشِيُّ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) أَيِ: الزُّهْرِيِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ

وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ هُوَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ذَكَرَهُ مِيرَكُ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا لَكِنْ مَعَ تَخَالُفٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَأَحْمَدُ بِزِيَادَةٍ، وَلَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ اخْتِلَافِ أَوْقَاتِهِ أَوْ حَالَاتِهِ (أَجْوَدَ النَّاسِ) أَيْ: أَسْخَاهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ (بِالْخَيْرِ) أَيْ: مَآلًا وَحَالًا فَالْخَيْرُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ حَالًا وَمَآلًا مِنْ بَذْلِ الْعِلْمِ وَالْخُلُقِ وَالْمَالِ وَالْجَاهِ إِفْضَالًا وَإِكْمَالًا فَكَانَ يَسْمَحُ بِالْمَوْجُودِ لِكَوْنِهِ مَطْبُوعًا عَلَى الْجُودِ مُسْتَغْنِيًا عَنِ الْفَانِيَاتِ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ مُقْبِلًا عَلَى مَوْلَاهُ مُعْرِضًا عَمَّا سِوَاهُ فَكَانَ إِذَا وَجَدَ جَادَ وَإِذَا أَحْسَنَ أَعَادَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَعَدَ وَلَمْ يُخْلِفْ بِالْمِيعَادِ وَكَانَ يَجُودُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِمَا يَسُدُّ خُلَّتَهُ وَيَشْفِي غُلَّتَهُ فَأَجْوَدُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْجُودِ، وَهُوَ إِعْطَاءُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي وَلَمَّا كَانَ نَفْسُهُ الْأَنْفَسُ أَشْرَفَ النُّفُوسِ الْأَقْدَسَ فَيَكُونُ أَخْلَاقُهُ أَفْضَلَ أَخْلَاقِ الْخَلَائِقِ فَيَكُونُ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَلَعَلَّ ذِكْرَ النَّاسِ بِالْخُصُوصِ لِكَوْنِهِ فَرْدًا مِنْهُمْ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ (وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) الرَّفْعُ فِي " أَجْوَدُ " أَجْوَدُ عَلَى مَا رُوِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>