عليه وسلم - الْقُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ " فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ يَعْرِضُ عَلَى الْآخَرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا بِلَفْظِ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ قَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ إِذِ الْمُدَارَسَةُ وَالْمُعَارَضَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَأَفَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَارَةً يَقْرَأُ وَيَسْمَعُ الْآخَرُ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ أَيْ رَمَضَانُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ يَلْقَاهُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ صِيَامُ شَهْرِ
رَمَضَانَ إِنَّمَا هُوَ فُرِضَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ صِيَامُهُ قُلْتُ: وَلَعَلَّ مُدَارَسَةَ الْقُرْآنِ كَانَ سَبَبًا لِوُجُوبِ صِيَامِهِ وَاسْتِحْبَابِ قِيَامِهِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ إِطْلَاقُ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضِهِ وَعَلَى مُعْظَمِهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ رَمَضَانَ مِنْ بَعْدِ السَّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ يَنْزِلُ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا بَعْضُهُ، ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ نَزَلَتِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالنَّبِيُّ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ لَيْلَ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ نَهَارِهِ لَا سِيَّمَا لِلْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التِّلَاوَةِ الْحُضُورُ وَالْفَهْمُ، وَاللَّيْلُ مَظِنَّةُ ذَلِكَ لِمَا فِي النَّهَارِ مِنَ الشَّوَاغِلِ الدِّينِيَّةِ وَالْعَوَارِضِ الدُّنْيَوِيَّةِ قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: قَوْلُهُ تَعَالَى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أَوَمَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ السَّنَةِ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ مَا أُنْزِلَ فَيُحْكِمُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ قَالَ: وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِذَا قُلْنَا لَا نَافِيَةٌ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَقْرَأَهُ لَا يَنْسَى مَا قَرَأَهُ وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِقْرَاءِ مُدَارَسَةُ جِبْرِيلَ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ بِقَوْلِهِ " فَلَا تَنْسَى " النِّسْيَانُ الَّذِي لَا ذِكْرَ بَعْدَهُ لَا النِّسْيَانُ الَّذِي يَعْقُبُهُ الذِّكْرُ فِي الْحَالِ، قُلْتُ لِهَذَا وَرَدَ فِي دُعَاءِ خَتْمِ الْقُرْآنِ: اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَا نَسِيتُ وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَا جَهِلْتُ.
قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ هَلْ كَانَتْ بِجَمِيعِ الْأَحْرُفِ الْمَأْذُونِ فِي قِرَاءَتِهَا أَوْ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَعَلَى الثَّانِي فَهَلْ هُوَ الْحَرْفُ الَّذِي جَمَعَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ النَّاسَ أَوْ غَيْرُهُ فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ بْنِ عُمَرَ وَالسَّلْمَانِيِّ أَنَّ الَّذِي جَمَعَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ النَّاسَ يُوَافِقُ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةَ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُرْآنِ فِي آخِرِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَيَرَوْنَ أَنَّ قِرَاءَتَنَا أَحْدَثُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ وَعِنْدَ الْحَاكِمِ نَحْوٌ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَقَدْ صَحَّحَهُ هُوَ.
وَلَفْظُهُ عُرِضَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَاتٍ وَيَقُولُونَ إِنَّ قِرَاءَتَنَا هَذِهِ هِيَ الْعَرْضَةُ الْأَخِيرَةُ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَيَّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَرَوْنَ آخِرَ الْقِرَاءَةِ قَالُوا: قِرَاءَةَ زَيْدٍ أَيْ: ابْنِ ثَابِتٍ قَالَ لَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فَكَانَتْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ آخِرَهَا، وَهَذَا يُغَايِرُ حَدِيثَ سَمُرَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَرْضَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ وَقَعَتَا بِالْحَرْفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute