للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى حِدَةٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْبَابُ الطَّوِيلُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ كَمَا فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَوْ فِي أَوَائِلِهِ قَبْلَ بَابِ مَا جَاءَ فِي خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ زِيَادَاتِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ فِي بَابٍ لَا يُوجِبُ تَكْرَارَ الْعُنْوَانِ مِنْ كِتَابٍ، وَقَدْ تَكَلَّفَ ابْنُ حَجَرٍ هُنَا لِتَوْجِيهِ التَّكْرَارِ مَا لَا يُجْدِي نَفْعًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَخْبَارِ، وَقَالَ شَارِحٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ هَذَا الْبَابُ مُخْتَلِفًا فَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ مَذْكُورَةٌ فِيهِ، وَفِي بَعْضٍ آخَرَ وَقَعَ مُكَرَّرًا فَقِيلَ إِمَّا لِعَدَمِ التَّكَلُّفِ وَقَصْدَ الِاخْتِصَارِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ هَذَا الْبَابِ أَوْ لِأَمْرٍ آخَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

بِالصَّوَابِ.

(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) بِالْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ) بِكَسْرِ السِّينِ (قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ) بِضَمِّ النُّونِ (ابْنَ بَشِيرٍ) عَلَى زِنَةِ نَذِيرٍ (يَقُولُ) حَالٌ (أَلَسْتُمْ) مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: (فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ) صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: أَلَسْتُمْ مُنَعَّمِينَ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مِقْدَارَ مَا شِئْتُمْ فِي التَّوْسِعَةِ وَالْإِفْرَاطِ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، فَمَا مَوْصُولَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعْبِيرٌ وَتَوْبِيخٌ، وَلِذَلِكَ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَرَأَيْتُ إِنْ كَانَ بِمَعْنَى النَّظَرِ فَجُمْلَةُ قَوْلِهِ (وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: رَدَيِّ التَّمْرِ (مَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ) يَكُونُ حَالًا، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْعَلَمِ يَكُونُ مَفْعُولًا، ثَانِيًا وَأَدْخَلَ الْوَاوَ تَشْبِيهًا لَهُ بِخَبَرِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ عَلَى مَا أَفَادَهُ الطِّيبِيُّ، وَلَعَلَّ وَجْهَ إِضَافَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْقَوْمِ الَّذِي خَاطَبَهُمْ تَرْغِيبًا لَهُمْ إِلَى الْقَنَاعَةِ بِالْمُوَافَقَةِ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَتَرْهِيبًا عَنِ الْمُخَالَفَةِ لِحُصُولِ الْكَمَالِ فِي الْعُقْبَى، وَرَوَى مُسْلِمٌ (يَظَلُّ الْيَوْمَ مُلْتَوِيًا وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ) ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فَقْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ اخْتِيَارِيًّا لَا كُرْهًا وَاضْطِرَارِيًّا وَقَدِ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَحْوَالِ وَبِالصَّوَابِ مِنَ الْأَقْوَالِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: لَا طَرِيقَ لِلِقَاءٍ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلَا يُمْكِنُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِمَا إِلَّا بِسَلَامَةِ الْبَدَنِ، وَلَا تَصْفُو سَلَامَتُهُ إِلَّا بِتَنَاوُلِ مِقْدَارِ الْحَاجَةِ عَلَى تَكْرَارِ الْأَوْقَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ الْأَكْلُ مِنَ الدِّينِ وَعَلَيْهِ نَبَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا فَمَنْ أَكَلَ لِيَتَقَوَّى عَلَى الطَّاعَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرْسِلَ فِيهِ اسْتِرْسَالَ الْبَهَائِمِ فِي الْمَرْعَى فَإِنَّمَا هُوَ ذَرِيعَةٌ إِلَى الدِّينِ، يَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ أَنْوَارُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَظْهَرُ إِلَّا إِنْ وَزَنَ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ شَهْوَةَ الطَّعَامِ إِقْدَامًا وَإِحْجَامًا وَالشِّبَعُ بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ بَعْدَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ (مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ وَظَاهِرُ الْخَبَرِ تَسَاوِي الْأَثْلَاثِ وَيَحْتَمِلُ أَنِ الْمُرَادَ تَقَارُبُهَا، وَفِي حَدِيثٍ (مَنْ كَثُرَ تَفَكُّرُهُ قَلَّ مَطْعَمُهُ وَمَنْ كَثُرَ مَطْعَمُهُ قَلَّ تَفَكُّرُهُ وَقَسَا قَلَبُهُ، وَقَالُوا: لَا تَدْخُلُ الْحِكْمَةُ مَعِدَةً مُلِئَتْ طَعَامًا وَمَنْ قَلَّ أَكْلُهُ قَلَّ شُرْبُهُ فَخَفَّ نَوْمُهُ فَظَهَرَتْ بَرَكَةُ عُمُرِهِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ: أَهْلُ الشِّبَعِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجُوعِ فِي الْآخِرَةِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ: أَشْبَعُكُمْ فِي الدُّنْيَا أَجْوَعُكُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: جَوِّعُوا أَنْفُسَكُمْ لِوَلِيمَةِ الْفِرْدَوْسِ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ يَشْبَعْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ وَمَا كَانَ يَسْأَلُ عَنْ أَهْلِهِ طَعَامًا، وَلَا يَتَشَهَّاهُ إِنْ أَطْعَمُوهُ أَكَلَ وَمَا أَطْعَمُوهُ قَبِلَ وَمَا سَقَوْهُ شَرِبَ، وَالْمَذْمُومُ هُوَ الشِّبَعُ الْمُثْقِلُ الْمُوجِبُ لِلْكَسَلِ الْمَانِعُ عَنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ.

(حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنَّا) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: إِنْ كُنَّا بِزِيَادَةِ إِنِ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ، وَالْمَعْنَى إِنْ كُنَّا (آلَ مُحَمَّدٍ) بِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي،

<<  <  ج: ص:  >  >>