وَأَبْعَدَ مَنْ
قَالَ إِنَّهُ خَبَرُ كَانَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِفَادَةِ لَيْسَ كَوْنَهُمْ آلَ مُحَمَّدٍ بَلْ قَوْلَهَا (نَمْكُثُ) ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ لَنَمْكُثُ (شَهْرًا) نَقَلَ الرَّضِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى لُزُومِ اللَّامِ فِي الْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِي خَبَرِ إِنِ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُجَابُ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْغَالِبِ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ نَمْكُثُ بِلَا لَامٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نُسْخَةِ كُنَّا بِلَا أَنِ الْمُخَفَّفَةِ، وَعَكْسُهَا عَلَى عَكْسِهَا، وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ لِأَجْلِ التَّلْفِيقِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ يُرْفَعُ (آلُ مُحَمَّدٍ) ، قَالَ مِيرَكُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بَدَلًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ وَأَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَدْحِ (مَا نَسْتَوْقِدُ بِنَارٍ) أَيْ: مَا نُوقِدُ نَارًا لِطَبْخِ شَيْءٍ وَخَبْزِهِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ، أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، أَوْ بَيَانٌ لِلْخَبَرِ الْأَوَّلِ، أَوْ صِفَةٌ لِـ (شَهْرًا) بِحَذْفِ الرَّابِطِ (إِنْ هُوَ) أَيْ: مَا الْمَطْعُومُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيِ: الْمَأْكُولِ لِقَوْلِهِ (إِلَّا التَّمْرُ وَالْمَاءُ) وَفِي نُسْخَةٍ إِلَّا الْمَاءُ وَالتَّمْرُ إِيمَاءً إِلَى قِلَّةِ حُصُولِ التَّمْرِ، وَفِي أُخْرَى إِلَّا الْأَسْوَدَانِ يَتَغَلَّبُ التَّمْرُ وَإِلَّا فَالْمَاءُ لَا لَوْنَ لَهُ أَوْ لِأَنَّ الْمَاءَ يَتْبَعُ مَا فِي الْإِنَاءِ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى التَّمْرِ أَسْوَدُ لِأَنَّهُ غَالِبُ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ كَأَنَّهُ قِيلَ فَمَا كَانَ الْغِذَاءُ، ثُمَّ (آلَ مُحَمَّدٍ) يَشْمَلُهُ أَيْضًا قِيَاسًا أَوْلَوِيًّا؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا صَبَرُوا شَهْرًا فَهُوَ أَحَقُّ وَأَوْلَى لِتَعَذُّرِ شِبَعِهِ دُونَهُمْ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ عِنْدَ الضِّيقِ يُؤْثِرُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ وَلِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ الْإِلَهِيَّةِ وَلِعَدَمِ وُجُودِ مَأْكُولٍ مَعَ نَفْيِ إِيقَادِ النَّارِ خَبْزًا وَطَبْخًا فَالْحَدِيثُ مُنَاسِبٌ لِلْبَابِ قَالَ مِيرَكُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَارٌ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: قَوْلُهَا (ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ) يَجُوزُ فِيهِ الْجَرُّ وَالنَّصْبُ، وَقَوْلُهَا فِي شَهْرَيْنِ هُوَ بِاعْتِبَارِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوَّلَ الشَّهْرِ، ثُمَّ رُؤْيَتِهِ ثَانِيًا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي، ثُمَّ رُؤْيَتِهِ ثَالِثًا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّالِثِ، فَالْمُدَّةُ سِتُّونَ يَوْمًا وَالْمَرْئِيُّ ثَلَاثَةُ أَهِلَّةٍ، قَالَ مِيرَكُ: وَلِهَذِهِ الرِّوَايَةِ شَاهِدٌ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَمُرُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِلَالٌ، ثُمَّ هِلَالٌ لَا يُوقَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ بُيُوتِهِ نَارٌ لَا لِخَبْزٍ، وَلَا لِطَبِيخٍ قُلْتُ: وَلِلْحَدِيثِ تَتِمَّةٌ، قَالَ عُرْوَةُ قُلْتُ يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُقِيتُكُمْ؟ قَالَتِ: الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ مِيرَكُ: وَجِيرَانُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَالْمَنَائِحُ بِنُونٍ وَمُهْمَلَةٍ جَمْعُ مِنْحَةٍ، وَهِيَ الْعَطِيَّةُ لَفْظًا وَمَعْنًى، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ عُرْوَةُ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ وَكَذَا عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا بِلَفْظِ كَانَ يَأْتِي عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ الشَّهْرُ مَا تُرَى فِي بَيْتِهِ نَارٌ انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَأْتِي عَلَى آلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ عَشَرَ لَيْلَةً مَا نُوقِدُ فِيهَا بِنَارٍ، وَفِي أُخْرَى عَنْهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ لَيَمُرُّ بِنَا الشَّهْرُ وَنِصْفُ الشَّهْرِ مَا يُوقَدُ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَارٌ لِمِصْبَاحٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَالْجَمْعُ بِأَنَّ الْأَمْرَ وَقَعَ مُكَرَّرًا فِي
عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقَلَتْ عَائِشَةُ كُلَّ ذَلِكَ لِعُرْوَةَ فِي مَجَالِسَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ يَوْمَيْنِ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ إِلَّا وَأَحَدُهُمَا تَمْرٌ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَمْلَأْ بَطْنَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ طَعَامَيْنِ كَانَ إِذَا شَبِعَ مِنَ التَّمْرِ لَمْ يَشْبَعْ مِنَ الشَّعِيرِ وَإِذَا شَبِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute