يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَهَذَا يُنَافِي جَزْمَ أَهْلِ السِّيَرِ بِأَنَّهُ مَاتَ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى كَمَا سَبَقَ عَنْ جَامِعِ الْأُصُولِ بَلْ وَحُكِيَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ لَكِنْ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْآخَرِ بِمَعْنَى ابْتِدَاءِ الدُّخُولِ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ النَّهَارِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَاشْتِدَادِ الضُّحَى يَقَعُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَسْتَمِرُّ فِيهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ زَوَالُ الشَّمْسِ، وَقَدْ جَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ وَكَذَا لِأَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْجَمْعَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ، قُلْتُ: وَأَيْضًا فِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى أَنَّ تَحَقُّقَ الزَّوَالِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْكَمَالِ كَمَا فِي آيَةِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ إِشَارَةً إِلَيْهِ وَدَلَالَةً عَلَيْهِ قَالَ مِيرَكُ: وَيُمْكِنُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى تَحَقُّقِ وَفَاتِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: يُجْمَعُ بِأَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ بِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَمَا ذَكَرَهُ المص بِاعْتِبَارِ انْقِطَاعِ الْحَيَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ، قُلْتُ: هَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا لِعَدَمِ ثُبُوتِ طُولِ نَزْعِهِ بَلْ صَحَّ وُجُودُ شُعُورِهِ إِلَى النَّفَسِ الْأَخِيرِ إِلَى أَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى، هَذَا وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ لَكِنْ بِلَفْظِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَمَا هُمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِهِمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ بِالصَّفِّ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَنَسٌ وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُفْتَنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَتُوُفِّيَ فِي يَوْمِهِ، وَفِي أُخْرَى لَهُ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا ثَلَاثًا فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ فَرَفَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِجَابَ فَلَمَّا وَضَحَ لَنَا وَجْهُهُ مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا قَطُّ كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْهُ حِينَ وَضَحَ فَأَوْمَى إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَأَرْخَى الْحِجَابَ. . . الْحَدِيثَ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ
حَتَّى إِذَا كَانُوا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ كَشَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتْرَ الْحُجْرَةِ فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ، وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ ضَاحِكًا. . . الْحَدِيثَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ شَارِحٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ حَتَّى جَلَسَ يَسَارَ أَبِي بَكْرٍ. . . الْحَدِيثَ، فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُعَارَضَةٌ بَيْنَ ابْنِ حَجَرٍ وَالْعِصَامِ أَعْرَضْتُ عَنْ ذِكْرِهَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْهَا بِالْمَرَامِ.
(حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ) وَفِي نُسْخَةٍ ضَعِيفَةٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعَدَةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ الْبَصْرِيُّ (حَدَّثَنِي سُلَيْمٌ) بِالتَّصْغِيرِ (ابْنُ أَخْضَرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ مُسْنِدَةً النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِسْنَادِ (إِلَى صَدْرِي أَوْ قَالَتْ: إِلَى حِجْرِي) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِكَسْرٍ، وَهُوَ مَا دُونَ الْإِبِطِ إِلَى الْكَشْحِ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ (فَدَعَا بِطَسْتٍ) أَيْ: فَطَلَبَهُ، وَهُوَ الطَّسُّ فِي الْأَصْلِ وَالتَّاءُ فِيهِ بَدَلُ السِّينِ، وَلِهَذَا يُجْمَعُ عَلَى طِسَاسٍ وَطُسُوسٍ وَيُصَغَّرُ عَلَى طُسَيْسٍ اعْتِبَارًا لِأَصْلِهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ: الطَّسْتُ مُؤَنَّثَةٌ، وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ وَالطَّسُّ تَعْرِيبُهَا، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهَا (لِيَبُولَ فِيهِ) بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ قُلْتُ: وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ أَمْرَ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ سَهْلٌ يَسِيرٌ بِأَنْ يُقَالَ التَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ مِنَ الظَّرْفِ الْكَبِيرِ أَوِ الصَّغِيرِ، أَوِ التَّقْدِيرُ لِيَبُولَ فِيمَا ذَكَرَ (ثُمَّ بَالَ) أَيْ: تَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا قَالَ شَارِحٌ: وَفِي نُسْخَةٍ مَالَ أَيْ: بِالْمِيمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ (فَمَاتَ) أَيْ: وَلَحِقَ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَوَصَلَ إِلَى لِقَاءِ الْمَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَاتَ فِي حِجْرِهَا وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْهَا تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي فِي يَوْمِي بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَفِي رِوَايَةٍ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنتِي أَيْ: كَانَ رَأْسُهُ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute