حَنَكِهَا وَصَدْرِهَا، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا لِلْحَاكِمِ وَابْنِ سَعْدٍ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ رَأْسَهُ الْمُكَرَّمَ كَانَ فِي
حِجْرِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَرِيقٍ مِنْهَا لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِهِ قُبَيْلَ الْوَفَاةِ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ) قَالَ مِيرَكُ: هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ (عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجَسٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ مُنْصَرِفًا، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ غَيْرَ مَصْرُوفٍ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْمَوْتِ) أَيْ: مَشْغُولٌ أَوْ مُلْتَبِسٌ بِهِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ وَالْأَحْوَالُ بَعْدَهَا مُتَدَاخِلَةٌ (وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، وَهُوَ يُدْخِلُ) مِنَ الْإِدْخَالِ أَيْ: يَغْمِسُ (يَدَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُغْمَى عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ، ثُمَّ يُفِيقُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي فِعْلُ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يُفْعَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا مِنْ كُرَبِ الْحَرَارَةِ كَالتَّجْرِيعِ بَلْ يَجِبُ التَّجْرِيعُ إِذَا اشْتَدَّتْ حَاجَةُ الْمَرِيضِ إِلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، ثُمَّ أُغْمَى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً فَظَنُّوا أَنَّ بِهِ ذَاتَ الْجَنْبِ فَلَدُّوهُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ اللَّدُودِ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي جَانِبِ الْفَمِ مِنَ الدَّوَاءِ، وَأَمَّا مَا يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ فَهُوَ الْوَجُورُ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْهِمْ أَنْ لَا يَلُدُّوهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى كَرَاهَةِ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ أَنْ تَلُدُّونِي فَقَالُوا: حَسِبْنَا أَنَّهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَّا الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَكَانَ بِقِسْطٍ مُذَابٍ فِي زَيْتٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ لِتَرْكِهِمِ امْتِثَالَ نَهْيِهِ تَأْدِيبًا لَا انْتِقَامًا خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ وَظَاهِرُ سِيَاقِ الْخَبَرِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ سَبَبَ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا يُتَدَاوَى بِهِ عَدَمُ مُلَاءَمَةِ ذَلِكَ لِدَائِهِ، فَإِنَّهُمْ ظَنُّوهُ ذَاتَ الْجَنْبِ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ؛ لِخَبَرِ ابْنِ سَعْدٍ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْعَلَ لَهَا أَيْ: لِذَاتِ الْجَنْبِ عَلَيَّ سُلْطَانًا، وَالْخَبَرُ بِأَنَّهُ مَاتَ مِنْهَا ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ بِأَنَّهَا يُطْلَقُ عَلَى وَرَمٍ حَارٍّ يَعْرِضُ فِي الْغِشَاءِ الْمُسْتَبْطِنِ، وَهُوَ الْمَنْفِيُّ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ رِوَايَةُ الْحَاكِمِ (ذَاتُ الْجَنْبِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَعَلَى رِيحٍ تَحْتَقِنُ بَيْنَ الْأَضْلَاعِ) ، وَهُوَ الْمُثْبَتُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى مُنْكَرَاتِ الْمَوْتِ) أَيْ: شَدَائِدِهِ، وَفِي تِلْكَ الشَّدَائِدِ زِيَادَةُ رَفْعِ دَرَجَاتٍ لِلْأَصْفِيَاءِ وَكَفَّارَةُ سَيِّئَاتٍ لِأَهْلِ الِابْتِلَاءِ (أَوْ قَالَ عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ) وَهِيَ شَدَائِدُهُ أَوْ حَالَاتٌ تَعْرِضُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَعَقْلِهِ مِنَ الْغَشَيَاتِ وَالْغَفَلَاتِ وَ «أَوْ» شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَفِي رِوَايَةٍ (وَجَعَلَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمُرَادُ بِمُنْكَرَاتِ الْمَوْتِ شَدَائِدُهُ وَمَكْرُوهَاتُهُ وَمَا يَحْصُلُ لِلْعَقْلِ مِنَ التَّغْطِيَةِ الْمُشَابِهَةِ لِلْكَسْرِ، وَقَدْ يَحْصُلُ مِنَ الْغَضَبِ وَالْعِشْقِ نَظِيرُ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَعْنَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، وَالشَّكُّ إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظِ انْتَهَى، وَقَدْ أَتَى الْحَنَفِيُّ بِمُنْكَرٍ فِي هَذَا الْمَحَلِّ حَيْثُ قَالَ: الْمُنْكَرُ ضِدُّ الْمَعْرُوفِ وَكُلُّ مَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ وَحَرَّمَهُ وَكَرِهَهُ فَهُوَ مُنْكَرٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأُمُورِ الْمُخَالِفَةُ لِلشَّرْعِ الْوَاقِعَةُ حَالَ شِدَّةِ الْمَوْتِ انْتَهَى، وَقَدْ تَوَلَّى الْمَرْحُومُ شَيْخُنَا ابْنُ حَجَرٍ رَدَّهُ بِقَوْلِهِ وَلِشَارِحٍ هُنَا مَا لَا يَنْبَغِي، وَهُوَ قَوْلُهُ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا الْأُمُورُ الْمُخَالِفَةُ لِلشَّرْعِ حُرْمَةً أَوْ كَرَاهَةً الْوَاقِعَةُ حَالَ شِدَّةِ الْمَوْتِ انْتَهَى، فَقَوْلُهُ إِلَى آخِرِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِصْمَتِهِ لَا يَخْشَى
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ (حُرْمَةً أَوْ كِرْهَةً) غَلَطٌ صَرِيحٌ وَتَجَرُّؤٌ قَبِيحٌ انْتَهَى، لَكِنْ أَغْرَبَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قُلْتَ الشَّيْطَانُ تَغَلَّبَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ قُلْتُ تَغَلُّبُهُ عَلَيْهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ لَا يَقْتَضِي تَغَلُّبَهُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَالِ وَبِفَرْضِ وُقُوعِهِ هُوَ آمِنٌ مِنْهُ قَطْعًا انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى أَوْلَوِيَّةُ الِاقْتِصَادِ حَالَةَ الْمَرِيضِ لَكِنَّ كَوْنَ الشَّيْطَانِ سَبَبًا لِلنِّسْيَانِ فِي صَلَاتِهِ لَا يُسَمَّى تَغَلُّبًا لَهُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي إِنْسَائِهِ حُصُولُ التَّشْرِيعِ وَبَيَانُ الْحُكْمِ لِلْأُمَّةِ بِأَنْبَائِهِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَاذَ مِنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَحَقُّقُهُ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْكُفْرِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ: أَعِنِّي عَلَى مُنْكَرَاتِهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ يُرِيدُ الْإِعَانَةَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا وَالتَّثَبُّتَ بِعَدَمِ الْجَزَعِ وَالْفَزَعِ لِشِدَّتِهَا فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُفَسِّرُوا الْمُنْكَرَاتِ بِمَا تُنْكِرُهُ النَّفْسُ وَيَكْرَهُهُ الطَّبْعُ فَمَآلُهَا إِلَى السَّكَرَاتِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، فَالْمَعْنَى اللَّهُمَّ أَعِنِّي فِي الصَّبْرِ عَلَى شَدَائِدِهِ وَمَشَقَّاتِهِ وَسَكَرَاتِهِ وَغَلَبَاتِهِ حَتَّى لَا أَغْفُلَ لِلِاشْتِغَالِ بِالْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ عَنِ الْحَضْرَةِ الْقُدْسِيَّةِ وَالْحَالَةِ الْأُنْسِيَّةِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ فِي خَبَرٍ مُرْسَلٍ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَأْخُذُ الرُّوحَ مِنْ بَيْنِ الْعَصَبِ وَالْأَنَامِلِ فَأَعِنِّي عَلَيْهِ وَهَوِّنْهُ عَلَيَّ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَهِيَ مُسْنِدَةٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَدْرِهَا وَمَعَهُ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَأَتْبَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَصَرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute