للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَدَلَ الْمِيمِ (بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى سَاعِدَيْهِ، وَقَالَ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ انْزِعَاجٍ وَقَلَقٍ بَلْ بِخَفْضِ صَوْتٍ (وَانَبِيَّاهُ) بَهَاءٍ سَاكِنَةٍ لِلسَّكْتِ تُزَادُ وَقْفًا لِإِرَادَةِ ظُهُورِ الْأَلِفِ لِخَفَائِهَا وَتُحْذَفُ وَصْلًا، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ آخِرَهُ الْفَاءُ لِيَمْتَدَّ بِهِ الصَّوْتُ وَلِيَتَمَيَّزَ الْمَنْدُوبُ عَنِ الْمُنَادَى (وَاصَفِيَّاهُ وَاخَلِيلَاهُ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَحَدَرَ فَاهُ فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَانَبِيَّاهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَحَدَرَ فَاهُ وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ، وَقَالَ وَاخَلِيلَاهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى جَبِينِهِ فَجَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي وَيَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ عَدِّ أَوْصَافِ الْمَيِّتِ بِصِيغَةِ الْمَنْدُوبِ لَكِنَّهُ بِلَا نَوْحٍ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْدُوبًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ حِلُّ نَحْوِ ذَلِكَ بِلَا نَوْحٍ، وَلَا نَدْبٍ، ثُمَّ لَا يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ ثَبَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَ مِنْ غَيْرِ انْزِعَاجٍ وَقَلَقٍ وَجَزَعٍ وَفَزَعٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّبَرَانِيُّ.

(حَدَّثَنَا بِشْرُ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ (ابْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ أَضَاءَ) أَيِ اسْتَنَارَ (مِنْهَا) أَيْ: مِنَ الْمَدِينَةِ (كُلُّ شَيْءٍ) فَمِنْ بَيَانِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ أَيْ: تَنَوَّرَ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْمَدِينَةِ نُورًا حِسِّيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا لِمَا فِي دُخُولِهِ مِنْ أَنْوَاعِ أَنْوَارِ الْهِدَايَةِ الْعَامَّةِ وَرَفْعِ أَصْنَافِ أَطْوَارِ الظُّلْمَةِ الطَّامَّةِ مَعَ الْإِشَارَةِ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ إِلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ كَأَنَّهُ اقْتَبَسَ النُّورَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوِ الْإِضَاءَةَ كِنَايَةً عَنِ الْفَرَحِ التَّامِّ لِسُكَّانِ الْمَدِينَةِ مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى أَهْلِ الْعَدَاوَةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّجْرِيدِ كَقَوْلِكَ لَتَلْقَيَنَّ مِنْهُ الْأَسَدَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِضَاءَةَ كَانَتْ مَحْسُوسَةً كَذَا نَقَلَهُ مِيرَكُ وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَأَغْرَبَ شَارِحٌ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِضَاءَةَ كَانَتْ مَحْسُوسَةً (فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ) وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْإِضَاءَةِ وَالْإِظْلَامِ مَعْنَوِيَّانِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مَحْسُوسَانِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُعْجِزَةِ انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْجِزَةَ لَا تَثْبُتُ بِمِثَالِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِرَاءَةَ الْحِسِّيَّةَ فَلَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى الْإِرَاءَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا سِيَّمَا فِي أَلْسِنَةِ الْفُصَحَاءِ عِنْدَ مَوْتِ الْعُظَمَاءِ أَنَّهُ أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا وَعِنْدَ الْهَنَاءِ أَضَاءَ الْعَالَمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَمَا نَقَضْنَا أَيْدِيَنَا عَنِ التُّرَابِ) مَا نَافِيَةٌ وَنَفْضُ الشَّيْءِ تَحْرِيكُهُ لِانْتِفَاضِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ أَوْ لِلْعَطْفِ عَلَى صَدْرِ الْكَلَامِ السَّابِقِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ جَعَلَ الْوَاوَ لِلْحَالِ فَتَأَمَّلْ فِي كُلٍّ مِنَ الْمَقَالِ، وَالْمَعْنَى وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا عَنْ تُرَابِ الْقَبْرِ (وَإِنَّا) بِالْكَسْرِ أَيْ: وَالْحَالُ إِنَّا (لَفِي دَفْنِهِ) أَيْ: لَفِي مُعَالَجَةِ دَفْنِهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَنْكَرْنَا) أَيْ: نَحْنُ (قُلُوبَنَا) بِالنَّصْبِ أَيْ: تَغَيَّرَتْ حَالُهَا بِوَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَبْقَ عَلَى مَا كَانَتْ مِنَ الرِّقَّةِ وَالصَّفَا لِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ وَبَرَكَةِ الصُّحْبَةِ ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَغْيِيرِ حَالِهِمْ وَعَدَمِ بَقَاءِ صَفَاءِ خَاطِرِهِمْ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ حَتَّى قَيَّدَ لِنَفْيِ النَّفْضِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا قُلُوبَهُمْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الصَّفَاءِ وَالرِّقَّةِ لِانْقِطَاعِ مَادَّةِ الْوَحْيِ وَفِقْدَانِ مَا كَانَ يَمُدُّهُمْ مِنْ قِبَلِ الرَّسُولِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ التَّأْيِيدِ وَالتَّعْلِيمِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ التَّصْدِيقِ انْتَهَى، وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ إِنْكَارُ الْقُلُوبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى نَفْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>