للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ الْمَاءِ صِيَانَةً لِقَطْعِهِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ فَعَلَيْكَ بِتَرْكِ الِابْتِدَاعِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا غَسَّلَهُ اقْتَلَصَ مَاءَ مَحَاجِرِ عَيْنَيْهِ فَشَرِبَهُ وَأَنَّهُ وَرِثَ بِذَلِكَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنْ عَجِيبِ مَا اتُّفِقَ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا غُسْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: لَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُهُ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَيْ: بِالِاكْتِفَاءِ بِالْإِزَارِ أَوْ بِمَا يَسْتُرُ الْغَلِيظَتَيْنِ أَمْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ أَيْ: مِنَ الْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُتَكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ اغْسِلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَصَحَّ إِذَا أَنَا مُتُّ فَاغْسِلُونِي بِسَبْعِ قِرَبٍ مِنْ بِئْرِي بِئْرِ غَرْسٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ فَسُكُونِ رَاءٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ بِئْرٌ مَشْهُورَةٌ بِالْمَدِينَةِ، هَذَا وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بِيضٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وَالسَّحُولِيَّةُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْأَشْهَرِ الْأَكْثَرِ فِي الرِّوَايَاتِ مَنْسُوبَةٌ إِلَى السَّحُولِ، وَهُوَ الْقَصَّارُ؛ لِأَنَّهُ يَسْحَلُهَا أَيْ: يُقَصِّرُهَا أَوْ إِلَى سَحُولٍ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ وَبِالضَّمِّ جَمْعُ سَحْلٍ، وَهُوَ الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ النَّقِيُّ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ قُطْنٍ، وَفِيهِ شُذُوذٌ؛ لِأَنَّهُ نُسِبَ إِلَى الْجَمْعِ، وَقِيلَ اسْمُ الْقَرْيَةِ بِالضَّمِّ أَيْضًا، وَأَمَّا الْكُرْسُفُ فَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ هُوَ الْقُطْنُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرُوِيَ فِي كَفَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَصَحُّ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ تَوَاتُرَ الْأَخْبَارِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ فِي تَكْفِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ وَخَبَرُ أَحْمَدَ أَنَّهُ كُفِّنَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ وَهْمٌ رِوَايَةً.

أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ مُتَعَارَفٌ أَوْ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ مِنْ قَمِيصِهِ الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهَا إِذِ الصَّوَابُ عَلَى مَا نَصَّ

عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَمِيصَهُ الَّذِي غُسِّلَ فِيهِ نُزِعَ عَنْهُ عِنْدَ تَكْفِينِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ رُطُوبَتِهِ لَأَفْسَدَ الْأَكْفَانَ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا سَبَقَ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ وَقَمِيصٌ.

وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الثَّلَاثَةِ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ بَلْ كَانَا زَائِدَيْنِ عَلَيْهَا، وَهُوَ إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُمَا مَنْدُوبَانِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَأَمَّا مَذْهَبُنَا فَالْكَفَنُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ إِزَارٌ وَقَمِيصٌ وَرِدَاءٌ وَاسْتَحَبَّ الْعِمَامَةَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا لِلرِّجَالِ.

نَعَمْ يُزَادُ لِلْمَرْأَةِ الْخِمَارُ وَخِرْقَةٌ يُرْبَطُ بِهَا ثَدْيُهَا وَتَفَاصِيلُ الْمَسَائِلِ وَأَدِلَّتُهَا مُحَرَّرَةٌ فِي كُتُبٍ الْفُرُوعِ الْمَبْسُوطَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَحَفَرَ أَبُو طَلْحَةَ لَحْدَهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ حَيْثُ قُبِضَ وَقَدِ اخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يُلْحَدُ قَبْرُهُ أَوْ يُشَقُّ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يُرْسِلَ أَحَدٌ إِلَى مَنْ يُلْحِدُ وَآخَرُ إِلَى مَنْ يَشُقُّ وَكُلُّ مَنْ سَبَقَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ فَاتَّفَقَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ جَاءَ قَبْلَهُ وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ فِيمَنْ نَزَلَ فِي قَبْرِهِ أَنَّهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَابْنَاهُ الْفَضْلُ وَقُثَمُ وَكَانَ آخِرُ النَّاسِ بِهِ عَهْدًا قُثَمَ وَوَرَدَ أَنَّهُ بُنِيَ فِي قَبْرِهِ تِسْعُ لَبِنَاتٍ وَفُرِشَ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ بَحْرَانِيَّةٌ كَانَ يَتَغَطَّى بِهَا فَرَشَهَا شُقْرَانُ فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ وَأَخَذَ مِنْهُ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِفَرْشِهَا لَكِنَّهُ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ كَرَاهَتُهُ وَأَجَابُوا عَنْ فِعْلِ شُقْرَانَ بِأَنَّهُ شَيْءٌ انْفَرَدَ بِهِ وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا عَمِلُوا بِهِ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ إِنَّهَا أُخْرِجَتْ مِنَ الْقَبْرِ لَمَّا فَرَغُوا مِنْ وَضْعِ اللَّبِنَاتِ التِّسْعِ قَالَ رَزِينٌ: وَرَشَّ قَبْرَهُ بِلَالٌ بِقِرْبَةٍ بَدَأَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ مِنْ حَصَا الْعَرْصَةِ حَمْرَاءَ بَيْضَاءَ وَرُفِعَ قَبْرُهُ مِنَ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.

وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَوْ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا وَرِوَايَةُ الْفَتْحِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الضَّمِّ فَإِنَّهَا تُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ اجْتِهَادٌ مِنْهُمْ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَعْنَى لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ كُشِفَ وَلَمْ يُتَّخَذْ عَلَيْهِ حَائِلٌ قُلْتُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ دُفِنَ فِي الْبِرَازِ لَا فِي الْحُجْرَةِ قَبْلُ، وَإِنَّمَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ قَبْلَ أَنْ يُوَسَّعَ الْمَسْجِدُ، وَلِهَذَا لَمَّا وُسِّعَ جُعِلَتْ حُجْرَتُهَا مُثَلَّثَةَ الشَّكْلِ حَتَّى لَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى جِهَةِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ مَعَ اسْتِقْبَالِهِ الْقِبْلَةَ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْتِقْبَالَيْنِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنَ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُشَاهَدٌ، ثُمَّ الْبُخَارِيُّ رَوَى عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا أَيْ: مُرْتَفِعًا عَلَى هَيْئَةِ السَّنَامِ زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَقَبْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُزَنِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ بَلِ ادَّعَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ اتِّفَاقَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ وَأَغْرَبَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رَدِّ قَوْلِ التَّمَّارِ حَيْثُ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>