للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِيرَكُ وَنَقَلَهُ الْحَنَفِيُّ عَنِ الْجَوْهَرِيِّ

، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمِيرَاثِهِ هُنَا مَتْرُوكَاتُهُ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمِيرَاثُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَوْرُوثِ أَيِ: الْمُخَلَّفُ مِنَ الْمَالِ أَيْ: بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ زَعْمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْعُنْوَانِ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ نَحْوَ مَا جَاءَ فِي نَفْيِ مِيرَاثٍ، قُلْتُ: كَلَامُهُ صَحِيحٌ، وَلَا يَنْدَفِعُ بِمُقَدَّرٍ آخَرَ مَعَ أَنَّ مَآلَ التَّقْدِيرَيْنِ وَاحِدٌ فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَشَذَّ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِالْمَوْرُوثِ هُنَا الْعِلْمُ وَالْمَالُ، وَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ أَنَّ الْعِلْمَ يُورَثُ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَيَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَالْمَالُ لَا يُورَثُ وَيَلْزَمُهُ فِي نَحْوِ حَدِيثِ، نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ ; أَيْ: فِي الْعِلْمِ وَالْمَالِ، وَهُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ، قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يُصَحِّحُ كَلَامَ هَذَا الْقَائِلِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا نُورَثُ فِي الْمَالِ بَلْ نُورَثُ فِي الْعِلْمِ لِمَا صَحَّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمُرَادُهُ أَنَّ هَذَا الْبَابَ مَوْضُوعٌ لِحُكْمِ مَوْرُوثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَالِ وَالْعِلْمِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فَإِنَّ إِرْثَ الْمَالِ مَنْفِيٌّ وَإِرْثَ الْعِلْمِ مُتَحَقِّقٌ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَخِي جُوَيْرِيَةَ) بِالتَّصْغِيرِ، وَهِيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ (لَهُ) أَيْ: لِعَمْرٍو (صُحْبَةٌ قَالَ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا سِلَاحَهُ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ: مِمَّا كَانَ يَخْتَصُّ بِلُبْسِهِ مِنْ نَحْوِ سَيْفٍ وَرُمْحٍ وَدِرْعٍ وَمِغْفَرٍ وَحَرْبَةٍ (وَبَغْلَتَهُ) أَيِ: الْبَيْضَاءَ الَّتِي يَخْتَصُّ بِرُكُوبِهَا (وَأَرْضًا) وَهِيَ نِصْفُ أَرْضِ فَدَكٍ وَثُلُثُ أَرْضِ وَادِي الْقُرَى وَسَهْمٌ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَحِصَّةٌ مِنْ أَرْضِ بَنِي النَّضِيرِ كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ نَقْلًا عَنِ الْكِرْمَانِيِّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَمْ يُضِفْهَا إِلَيْهِ كَالْأَوَّلَيْنِ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِهِ دُونَهَا إِذْ نَفْعُهَا كَانَ عَامًّا لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ عِيَالِهِ وَفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينِ.

(جَعَلَهَا صَدَقَةً) قِيلَ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ جَعَلَهَا صَدَقَةً بَيْنَ كَوْنِهَا مِنَ الصَّدَقَاتِ حَالَ حَيَاتِهِ لَا أَنَّهَا صَارَتْ صَدَقَةً بَعْدَ مَمَاتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخِي الْجُوَيْرِيَةِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمًا، وَلَا دِينَارًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا أَمَةً، وَلَا شَيْئًا إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً.

قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَيْ تَصَدَّقَ بِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْوَقْفِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا عَبْدًا، وَلَا أَمَةً أَيْ: فِي الرِّقِّ.

وَفِيهِ دَلَالَةٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ رَقِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ الْأَخْبَارِ كَانَ إِمَّا مَاتَ وَإِمَّا أَعْتَقَهُ.

قِيلَ: وَلَوْ جُعِلَ الضَّمِيرُ لِلْأَرْضِ وَحْدَهَا لَزِمَ كَوْنُ السِّلَاحِ وَالْبَغْلَةِ مِيرَاثًا وَدُفِعَ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَا خَلَّفَهُ يَصِيرُ صَدَقَةً بِنَفْسِ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ، نَعَمْ ظَاهِرُ إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ فِي عُنْوَانِ الْبَابِ جَعْلُ الضَّمِيرِ لِلْكُلِّ، وَهُوَ مُخْتَارُ الْكِرْمَانِيِّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقِيلَ: الْأَرْضُ هِيَ فَدَكٌ سَبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ وَجَعَلَهَا صَدَقَةً لِلْمُسْلِمِينَ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَابْنُ

حَجَرٍ فَتَدَبَّرْ.

ثُمَّ الْحَصْرُ إِضَافِيٌّ أَوِ ادِّعَائِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِثْلَ الْأَثْوَابِ وَأَمْتِعَةِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا بَيَّنْتُ فِي مَوْضِعِهَا، وَلَعَلَّ أَمْتِعَةَ الْبَيْتِ كَانَتْ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ابْتِدَاءً أَوْ بِالتَّمْلِيكِ انْتِهَاءً، وَأَمَّا تَعَدُّدُ الثِّيَابِ فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ أَصْلٌ وَالْقَلِيلُ مِنْهَا لَمْ يُذْكَرْ لِحَقَارَتِهَا أَوْ لِغَايَةِ وُضُوحِهَا إِذْ لَا يَخْلُو إِنْسَانٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا عُلِمَ حُكْمُ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ تَبِعَهَا غَيْرُهَا بِالْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ أَرْبَابِ السِّيَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَّفَ إِبِلًا كَثِيرَةً وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ نَاقَةً يَرْعَوْنَهَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَأْتُونَ بِأَلْبَانِهَا إِلَيْهِ كُلَّ لَيْلَةٍ وَكَانَ لَهُ سَبْعُ مَعْزٍ يَشْرَبُونَ لَبَنَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِبِلَ الْكَثِيرَةَ هِيَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَنَّ النَّاقَةَ وَالْمَعْزَ كَانَتْ مَنِ الْمَنَائِحِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّرَايِحُ، وَسَيَجِيءُ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَا تَرَكَ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيرًا فَيَتَعَيَّنُ التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>