للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) أَيْ: طَوِيلَةٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلُّ بَسْطِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا جَوَابُهُمْ لِعُمَرَ بِقَوْلِهِمْ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ ذَكَرَ مِيرَكُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ حَدِيثًا مِنْ رَجُلٍ فَأَعْجَبَنِي فَقُلْتُ لَهُ: اكْتُبْ لِي، فَأَتَى بِهِ مَكْتُوبًا مُزَبَّرًا: دَخَلَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ وَعِنْدَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٌ وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فَقَالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ

وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كُلُّ مَالِ نَبِيٍّ صَدَقَةٌ إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ وَكَسَاهُمْ إِنَّا لَا نُورَثُ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَهْلِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ فَكَانَ يَصْنَعُ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ.

، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: كَانَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عُمَرُ أَنْ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثُ صَفَايَا بَنُو النَّضِيرِ وَخَيْبَرُ وَفَدَكٌ، فَأَمَّا بَنُو النَّضِيرِ فَكَانَتْ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ، وَأَمَّا فَدَكٌ فَكَانَتْ حَبْسًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَمَّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ جُزْأَيْنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَجُزْءًا نَفَقَةً فَمَا فَضَلَ عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَعَلَهُ بَيْنَ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَلَعَلَّ تَنْكِيرَ نَبِيٍّ أَشَارَ إِلَيْهِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: كُلُّ هُنَا إِنَّمَا يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي أَفْرَادِ مَالِ النَّبِيِّ الْوَاحِدِ لَا فِي أَفْرَادِ الْأَنْبِيَاءِ، لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى الصَّحِيحَةَ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ، يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ الْعُمُومُ فِي الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا نُورَثُ) أَيْ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ (مَا تَرَكْنَا) مَا مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ: كُلُّ مَا تَرَكْنَاهُ (فَهُوَ صَدَقَةٌ) فَهُوَ خَبَرُ مَا وَالْفَاءُ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَا نُورَثُ فَقِيلَ مَا يُفْعَلُ بِتَرِكَتِكُمْ فَأُجِيبَ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَهُوَ صَدَقَةٌ خَبَرُ مَا، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ فَوَهْمٌ فَإِنَّ الْجُمْلَةَ هِيَ الْجَوَابُ لَا مُجَرَّدُ الْخَبَرِ فَتَدَبَّرْ يَظْهَرْ لَكَ الصَّوَابُ.

وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ مَا مِيرَاثُنَا إِلَّا وَاقِعٌ وَمُنْحَصِرٌ فِي صَرْفِ أَحْوَالِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ إِنَّمَا مِيرَاثُهُ فِي فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَسَاكِينِ كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَانْتِقَالِ ذَاتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، قَالَ الْمَالِكِيُّ: مَا فِي تَرَكْنَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَتَرَكْنَا صِلَتُهُ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَصَدَقَةٌ خَبَرٌ.

قُلْتُ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَلَى رَفْعِ صَدَقَةٍ اتِّفَاقًا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَبَطَلَ قَوْلُ الشِّيعَةِ أَنَّ مَا نَافِيَةٌ وَصَدَقَةً مَفْعُولُ تَرَكْنَا فَإِنَّهُ زُورٌ وَبُهْتَانٌ وَمُنَاقَضَةٌ لِصَدْرِ الْكَلَامِ عِيَانٌ، فَلَوْ صَحَّتْ رِوَايَةُ النَّصْبِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى مَعْنًى يُطَابِقُ الرِّوَايَاتِ الصَّرِيحَةَ وَيُوَافِقُ الْمَعَانِيَ الصَّحِيحَةَ بِأَنْ يُقَالَ هِيَ مَفْعُولٌ لِلْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ أَيِ: الَّذِي تَرَكْنَاهُ مَبْذُولٌ صَدَقَةً، وَنَظِيرُهُ مَا جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) بِالنَّصْبِ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا يَقْسِمُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَوْقِيَّةِ مَرْفُوعًا، وَفِي نُسْخَةٍ مَجْزُومًا

، وَفِي أُخْرَى لَا يَقْتَسِمُ مِنَ الِافْتِعَالِ بِالْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ وَمَآلُ الْكُلِّ إِلَى وَاحِدٍ وَالنَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ الصَّرِيحِ (وَرَثَتِي) أَيْ: مَنْ هُمُ الْوَرَثَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ بِالْقُوَّةِ لَكِنْ مَنَعَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ (دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا) وَالتَّقْيِيدُ بِهِمَا بِنَاءً عَلَى الْأَغْلَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>