للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدُّنْيَا وَيَجْمَعُونَ الْمَالَ لِوَرَثَتِهِمْ وَأَنْ لَا يَرْغَبَ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا وَجَمْعِهَا بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا كَذَلِكَ وَلِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّ فَقْرَ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَكُنِ اخْتِيَارِيًّا، وَأَمَّا مَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ فَضَعِيفٌ، هُوَ بِإِشَارَاتِ الْقَوْمِ أَشْبَهُ، وَلِذَا قِيلَ الصُّوفِيُّ لَا يَمْلِكُ، وَلَا يَمْلِكُ هَذَا وَكَأَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اعْتَقَدَتْ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ لَا نُورَثُ وَرَأَتْ أَنَّ مَنَافِعَ مَا خَلَّفَهُ مِنْ أَرْضٍ وَغَيْرِهَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يُورَثَ عَنْهُ كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ كَلَامِهَا فِي الْحَدِيثِ مِنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ بَلْ أَرَادَتْ أَنَّ حُكْمَ الْأَنْبِيَاءِ كَحُكْمِ غَيْرِهِمْ فِي عُمُومِ الْإِرْثِ لِإِطْلَاقِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فَأَجَابَ الصِّدِّيقُ بِأَنَّ حُكْمَ الْأَنْبِيَاءِ خُصَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ مَقْطُوعٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصِّدِّيقِ وَكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ فَهُوَ مَشْهُورٌ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ الْكِتَابُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَسَيَأْتِي أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّحَابَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا مِنْ جُمْلَةِ الْآحَادِ الْمُفِيدَةِ لِلظَّنِّ وَأَيْضًا قَرَّرَ الصِّدِّيقُ رُجُوعَ الْمَنَافِعِ الْحَاصِلَةِ مِنَ الْمُخَلَّفَاتِ إِلَى وَرَثَتِهِ لَكِنْ لَا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الِانْتِفَاعِ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ بَعْدَ مَمَاتِهِ عَلَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ فَالِاسْتِدْرَاكُ لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ النَّاشِئِ مِنَ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُورَثُ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَهَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُخَلَّفَاتِ أَمْ لَا، وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ التَّحْقِيقِ وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ أَبُو غَسَّانَ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ مُهْمَلَةٍ مَمْنُوعًا (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) بِضَمِّ مِيمٍ وَتَشْدِيدِ رَاءٍ (عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُغْنِي، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ عِمْرَانَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقِيلَ ابْنُ فَيْرُوزَ عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٍ إِلَى الْبَحْتَرِ، وَهُوَ حُسْنُ الْمَشْيِ وَقَعَ سَهْوًا مَعَ أَنَّ ضَبْطَهُ مُنَاقِضٌ لِآخِرِ كَلَامِهِ فَإِنَّ الْبَخْتَرَةَ وَالتَّبَخْتُرَ بِالْمُعْجَمَةِ مِشْيَةٌ حَسَنَةٌ وَالْبَخْتَرِيُّ الْمُخْتَالُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ (أَنَّ الْعَبَّاسَ وَعَلِيًّا جَاءَا إِلَى عُمَرَ) أَيْ: أَيَّامَ خِلَافَتِهِ (يَخْتَصِمَانِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْتَ كَذَا أَنْتَ كَذَا) أَيْ: أَنْتَ لَا تَسْتَحِقُّ الْوِلَايَةَ عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَةِ أَوْ أَنَا أَوْلَى مِنْكَ بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَخْطَأَ شَارِحٌ فِي حَمْلِ كَلَامِهِمَا عَلَى السَّبِّ وَالشَّتْمِ (فَقَالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدٍ) أَيْ: مِمَّنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ (نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ) يُقَالُ: نَشَدْتُ فُلَانًا أَنْشُدُهُ نَشْدًا إِذَا قُلْتَ لَهُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَيْ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ كَأَنَّكَ ذَكَّرْتَهُ إِيَّاهُ فَنَشَدَ أَيْ: تَذَكَّرَ - كَذَا فِي الصِّحَاحِ -، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: يُقَالُ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ وَبِاللَّهِ أَيْ: سَأَلْتُكَ وَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ وَتَعْدِيَتُهُ إِلَى الْمَفْعُولَيْنِ إِمَّا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ دَعَوْتُ كَمَا يُقَالُ: دَعَوْتُ زَيْدًا وَبِزَيْدٍ أَوْ لِأَنَّهُمْ ضَمَّنُوهُ مَعْنَى ذَكَرْتُ، وَقِيلَ الْمَعْنَى سَأَلْتُكُمْ بِاللَّهِ رَافِعًا نَشِيدَتِي أَيْ: صَوْتِي (أَسَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ كُلُّ مَالِ نَبِيٍّ صَدَقَةٌ) أَيْ: وَقْفٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَامَّةً (إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ) أَيِ: اللَّهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ أَوِ النَّبِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ أَيْ: أَنَا لِكَوْنِي الْمُتَصَرِّفَ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ (إِنَّا لَا نُورَثُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّعْلِيلِ، وَقَدْ أَفَادَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا أُطْعِمُهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ فَعَلَى هَذَا فِي الْكَلَامِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ وَالصَّوَابُ أَطْعَمَهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْعَيْنِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَيُبَيِّنُهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ كُلُّ مَالِ نَبِيٍّ صَدَقَةٌ إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ وَكَسَاهُمْ إِنَّا لَا نُورَثُ انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَالَ كُلِّ نَبِيٍّ صَدَقَةٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَيْضًا إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ وَكَسَاهُمْ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا مَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ كَعَامِلِهِ وَزَوْجَاتِهِ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ وَفَاتِهِ (

<<  <  ج: ص:  >  >>