للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أبو بكر من أفصح الناس وأخطبهم]

ليست الفصاحة التشدق بالكلام، ولا سجع الكلام، ولا كان في خطباء العرب من الصحابة وغيرهم تكلف الأسجاع، ولا تكلف التحسين الذي يعود إلى مجرد اللفظ الذي سمي «علم البديع» كما يفعله المتأخرون من أصحاب الخطب والرسائل والشعر، وإنما البلاغة المأمور بها في مثل قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} (١) هي «علم المعاني والبيان» فيجمع صاحبها بين تكميل المعاني المقصود وبين تبيينها بأحسن وجه (٢) .

وأكثر الخطب التي ينقلها صاحب «نهج البلاغة» كذب على عليّ، وعلي أجل وأعلا قدرًا من أن يتكلم بذلك الكلام؛ ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدح، فلا هي صدق، ولا هي مدح.

لا ريب أن عليًا كان من أخطب الناس، وكان أبو بكر خطيبًا، وعمر خطيبًا، وكان ثابت بن قيس بن شماس خطيبًا معروفًا بأنه خطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... كما كان حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة شعراءه.

ولكن كان أبو بكر رضي الله عنه يخطب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في


(١) سورة النساء: ٦٣.
(٢) وأما تكلف الأسجاع والأوزان والجناس والتطبيق ونحو ذلك مما يتكلفه متأخرو الشعراء والخطباء والمرسلين والوعاظ فهذا لم يكن من دأب خطباء الصحابة والتابعين والفصحاء منهم، ولا كان ذلك مما يهتم به العرب، وغالب من يعتمد ذلك يزخرف اللفظ بغير فائدة مطلوبة من المعاني، كالمجاهد الذي يزخرف السلاح وهو جبان، ولهذا يوجد الشاعر كلما أمعن في المدح والهجو خرج في ذلك إلى الإفراط في الكذب، يستعين بالتخييلات أو التمثيلات. (منهاج جـ٤/ ١٥٨، ١٥٩) .

<<  <   >  >>