للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآيات التي تتحدث عن العدل كثيرة، فهو بلا شك أساس لعمران البلاد وأساس لبناء الحضارات في كل زمان ومكان، فربنا جل وعلا يقول: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) (١) , ويقول جل شأنه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (٢) , ويقول جل شأنه: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٣) , ويحذر سبحانه وتعالى من المحاباة والظلم لأن ميزان العدل لا يميل مع الهوى ولا يتزحزح مع العصبية ولا يحيف مع الشنئان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أو الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أو فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أو تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (٤).

ولهذا قيل إن للعدل قيمة لا تنطوي بمجرد عدم إيقاع الضرر على الغير وإعطاء كُلٍ ماله، وإنما هي شيء أعمق من ذلك وأكثر، هي تحقيق التوازن اللازم بين المصالح المتعارضة بغية كفالة نظام مأمون لسكينة المجتمع الإنساني وسلامته وسعياً به صوب الاستقرار والتقدم، ومن ثم كان العدل عنصراً حركياً، ويقتضي السعي الدائب والدائم والحثيث نحو معرفة ما يستحقه كُلٌ وكيف يعطى له. (٥)

وإذا كان العدل لا يجيء ولا يتحقق من تلقاء نفسه، وليس للإنسان أن يبتغيه لنفسه فإنها تكون الغلبة للفرد دون الحق، وحينئذ تعم الفوضى التي لا تبقي ولا تذر، وإنما تحقيق العدل هو واجب الدولة ورسالتها التي يجب أن تتجرد له سلطة من سلطاتها وهي القضاء في نظام شامل متكامل مستقل محايد ينهض بأعباء هذه الرسالة التي لا تستقيم أحوال


(١) - الآية ١٥٢ من سورة الأنعام.
(٢) - الآية ٩٠ من سورة النحل.
(٣) - الآية ٩ من سورة الحجرات.
(٤) - الآية ١٣٥ من سورة النساء.
(٥) - انظر تفصيلاً أوسع في السعي إلى العدل وأهم النظريات التي قيل بها لتعريفه والمحاولات العملية لتحقيقه للدكتور محمد سلام زناتي - محاضرات في فلسفة القانون لطلبة دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص بكلية الحقوق - جامعة أسيوط - العام الجامعي ١٩٨٧/ ١٩٨٨م - مكتبة الآلات الحديثة بأسيوط ص ١٩ - ٦٤.

<<  <   >  >>