وهذه الشواهد التي سقناها تؤيد بوضوح رأي من قال بأن الشورى ملزمة وليست بمعلمة وسنأتي على مزيد بيان عند حديثنا عن إلزامية الشورى في الأمور العامة.
[الشورى في غزوة أحد]
لقد ذكرت كتب السنة والسيرة النبوية في أخبار هذه الغزوة أخباراً متقاربة في المعاني والألفاظ، وأن زعماء اليهود والمشركين قد بذلوا جهوداً في إثارة الحمية الجاهلية لدى القرشيين للانتقام لقتلأهم يوم بدر من الرسول والمسلمين، ولتستعيد قريش مكانتها التي تزعزعت بسبب الهزيمة التي منيت بها في غزوة بدر، أضف إلى ذلك أن القرشيين كانوا يرغبون في تأمين طرق تجارتهم إلى الشام, بالإضافة إلى أنهم كانوا يحرصون على القضاء على جماعة المسلمين قبل أن تتعاظم قوتهم.
هذه أهم الأسباب والدوافع التي جعلت قريشاً تجيش جيشاً قوياً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل من قريش وممن تابعها من قبائل كنانة وأهل تهامة ومعهم مئتا فرس, ولما كانت سياسة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تقوم على الشورى وكانت قريش قد وجهت هؤلاء الجند في العام الثالث الهجري إلى المدينة فقد استشار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة رضوان الله عليهم, وكان صلى الله عليه وآله وسلم يرى البقاء في المدينة وقتال المشركين فيها وقد تحصن المسلمون فيها وهي نظرة حصيفة؛ لأنه إن دخل العدو قاتله الرجال في الشوارع والأزقة ورمأهم النساء والصبيان من سطوح الحصون والمنازل ومنافذها فيكون ذلك أدعى لهزيمة العدو، وهو ما يسمى في هذا العصر بحرب الشوارع أو حرب المدن.
قال ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فإن رأيتم أن تقيموا في المدينة وتدَعُوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوها علينا قاتلنأهم فيها. وكان رأي عبدالله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى رأيه في ذلك وأن لا يخرج إليهم، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكره