للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: ما ورد في السنة النبوية

وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين وغيرهما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد) (١) وهذا الحديث قد بين فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجوب العمل بالكتاب والسنة وأن ما خالفهما فهو باطل مردود, وهذا النص من السنة النبوية قد جاء ليقرر القاعدة العامة في البطلان كجزاء لكل تصرف غير شرعي سواءً كان قانوناً أو قراراً أو لائحة أو حكماً, فكل حكم أو قرار يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والعدالة الإنسانية فهو باطل بقوة القانون الإسلامي, فالسلطات العامة في الدولة الإسلامية مقيدة في عملها بألا تخرج عن أحكام الشريعة الإسلامية والدستور الإسلامي المستمد منها، فهي ليست سلطات مطلقة بل إن السلطة التشريعية مقيدة فيما تسنه من قوانين بألا يتجاوز إطار الشريعة الإسلامية الغراء.

وقد ورد في لفظ حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب في حجة الوداع وقال: (يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه) (٢) , وهذا الحديث صريح في وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة ووجوب الأخذ بهما طريقاً ومرشداً وحكماً في كل شؤون الحياة السياسية والاجتماعية الثقافية والتشريعية وفي كل أمور العبادات والمعاملات وفي كل شؤون الدنيا والآخرة، وأن ما عدا ما ورد في الأدلة الشرعية فهو مردود مرفوض، ومما يؤكد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما بعث معاذ إلى اليمن قال له: (بما تقضي؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله. قال: أقضي بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله. قال: أجتهد رأيي ولا آلو جهداً. قال: فضرب بيده في صدري وقال: الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله) (٣) , ووجه الدلالة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد وافق على حصر مصادر الحكم في كتاب الله تعالى فإن لم يوجد فيه نص ففي سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فإن لم يوجد في ذلك نص فإن باب الاجتهاد في الاستنباط يكون مفتوحاً للعلماء ضمن الضوابط والشروط التي حررها علماء الأمة المحكوم به في الحديث على الأدلة الشرعية التي يستنبط القاضي حكم الواقعة منها شائع معروف عند الفقهاء, فإنهم يطلقون المحكوم به على الأدلة الشرعية. قال ابن رشد: المقضي به وهو الكتاب والسنة. وقال ابن فرحون: هو وميارة (٤) المقضي به وهو حكم من الكتاب والسنة، وجاء في مراتب الإجماع لابن حزم، ولقد اتفق العلماء على وجوب الحكم بالقرآن والسنة بالإجماع (٥) وقد أخرج الحاكم في المستدرك في باب الأحكام من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ألا أيها الناس لا يقبل الله صلاة إمام حكم بغير ما أنزل الله) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (٦).

وهذه الأحاديث الثابتة تفيد وجوب اتباع القرآن الكريم والسنة النبوية في كل شؤون الحياة، بل أن وجوب الأخذ بهما واستنباط الأحكام منهما هو ما تقتضيه الفطرة السليمة والعقل القويم والمنطق السديد، وتقيده أسباب ومبررات اجتماعية وفطرية منها أن الشريعة الإسلامية هي منهج الله ونظامه الذي وضعه للإنسانية وابتعث به رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو منهج الله الصانع الخالق الذي يمتاز برقيه وكماله وخلوه من الجهل والوهن والضعف وبعده عن الميول والهوى فهو ليس كمنهج البشر الذي لا يخلو من ضعف أو نقص أو محاباة، فمنهج الله لا محاباة فيه لفرد ولا لطبقة ولا لشعب ولا


(١) - البخاري في صحيحه كتاب الصلح حديث ٢٦٩٧، ومسلم في صحيحه كتاب الأقضية حديث ١٧١٧٨.
(٢) - السنن الكبرى للبيهقي ج/ ١٠ ص ١١٤طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الهند الطبعة الأولى ١٣٥٥هـ.
(٣) - انظر سنن أبي داود كتاب الأقضية باب اجتهاد الرأي في التضاد حديث ٣٥٩٢ ج/ ٤ ص ٨٠. والترمذي في كتاب الأحكام ج/٣ ص ٦٣٠. والدارمي في سننه ج/١ ص ٦٠. والبيهقي في السنن الكبرى ج-١ ص -١٤٤. والفتح الرباني بترتيب سند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني مع مختصر شرحه بلوغ الأماني - للبناء - ج ١٥ - ص٢٠٨.
(٤) - انظر ابن فرحون في تبصرة الحكام ص ٤٤ - ج ١ وميارة في شرحه على تحفة ابن عاصم ص ١٦.
(٥) - انظر مراتب الإجماع لابن حزم الظاهري ج ٢ - ص ١٨٩.
(٦) - انظر المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبدالله الحاكم النيسابوري - طبعة دار الفكر ج ٤ - ص ٨٩.

<<  <   >  >>