لجنس, لأن الله جل وعلا متجرد متنزه بجلاله عن هذه الأخلاق والآفات الذميمة التي يتصف بها البشر, والخالق للبشر هو الذي يعلم ما جبلت عليه فطرة الإنسان الحقيقية وما تحتاج إليه في حياتها من وسائل وما تسعى إلى تحقيقه من أهداف وما يصلح به شؤونها، لذا فهو القادر سبحانه وتعالى على أن يضع لهم النظام الأمثل بدون عناء ومشقة وبدون خوض لتجارب ترهق المجتمع وتكلفه الثمن الباهظ، فالفكر البشري في مختلف العصور لا يخلو من تعارض وتناقض ما لم يكن متمسكاً بمنهاج الحق الذي جاء من عند الله, ما ذلك إلا لأن الأهواء والرغبات والشهوات البشرية تتحكم فيه في كثير من الحالات.
ويكفي في العصور القريبة منا مشاهدة تعارض النظامين الشيوعي والرأسمالي وانهيار النظام الشيوعي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما يعاني العالم الآن من متاعب النظام الرأسمالي من تعاسة وشقاء وحروب وبلاء وانهيار في الأخلاق وسيطرة رؤوس الأموال على مقدرات الشعوب دون خضوع لقوانين العدالة الربانية, فتطبيق الشريعة الإسلامية يحمي الشعوب في إطارها الداخلي ويحمي الإنسانية جمعاء على المستوى الخارجي, لأن صفة الالتزام تتوافر للشريعة ليس فقط بالنسبة للأفراد داخل الدولة كما هو الشأن في القانون الوضعي ولكنها ملزمة أيضاً للدولة ذاتها قبل أفراد الشعب وقبل غيرها من الدول في العلاقات الدولية باعتبارها قانوناً إلهياً يسمو فوق البشر جميعاً أفراداً وجماعات ودولاً.
ففي الداخل يجعل سلطة المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية محدودة بإطار القواعد الكلية للشريعة الإسلامية, فالمجالس التشريعية لا تملك الخروج على النصوص الشرعية أو تعديلها بالزيادة أو النقصان أو تبديلها, وفي هذا ضمان كبير لعدم سيطرة الأهواء والميول والشهوات سواءً كان من الأحزاب أو الفئات المتغلبة والمتسلطة في المجالس التشريعية وغيرها, فالفئة الحاكمة التي بيدها مقاليد الأمور وتملك الأغلبية في هذه المجالس لا تستطيع أن تخالف الشريعة الإسلامية أو تلغي أو تعدل نصوصها, وفي ذلك حماية للناس من التعسف في استخدام سلطاتها أو الشطط في سن القوانين أو تنفيذها وهذا هو الفرق بين صلاحيات المجالس التشريعية في الدول الإسلامية عن غيرها.