فسلطة الأمة في ظل القوانين الوضعية في غير الدول الإسلامية سلطة لا تخلو من العسف والأهواء فيما تمارسه من صلاحيات، فسلطة الأمة في ظل القوانين الوضعية أنها ممثلة في أحزابها, وهذه الأحزاب بما لها من ميول وأهواء وضعف بشري تدخل في تشريعاتها ما يتفق مع تلك الميول والغايات, كما أنها تخضع لتيار الشهوات البشرية الجارف الذي ينخر عظام الأمة ويسارع في انهيار بنيانها، فالزنا والخمر والاحتكار والربا والمقامرة لا تجرّم غالباً في سلطة النظم الوضعية, إلى غير ذلك من الآفات الخطيرة التي تحمى بقوانين تصب في مصالح طبقة أو أشخاص وتضر بالصالح العام, لأنها تعصف بالأخلاق والمبادئ والمثل ولا تقيم للعدل أي وزن أو اعتبار غالباً, ولربما يجد المتتبع أن كثيراً ما تسن تشريعات وضعية في هذا البلد أو تلك من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية للشعوب الأخرى من مناجم ومنابع للنفط بل ولإيجاد سوق لتصريف بضائعها أو نحو ذلك من الأمور التي تسبب التظالم وتنذر بانهيار الحضارات وتوجد مهالك وتكون سبباً في سخط الرب، بل إن هذه الأمم في ظل النظم الوضعية تسن قوانين تعلن الحرب من أجل استعلاءها واستيلاءها على الشعوب الأخرى وتجيز التعذيب للمدنيين من الشيوخ والنساء بلا وازع من الرحمة ولا رادع من ضمير.
أما سلطة الأمة في ظل أحكام الشريعة الإسلامية فهي مقيدة بإطار الشريعة الإسلامية ومحكومة بقوانين العدل التي لا تستطيع أن تتجاوزها لأن الله تعالى يأمر بالعدل، ولا تستطيع المجالس التشريعية أن تخرج عن هذا الإطار بل ولا الحكومة ولا الملك ولا رئيس الدولة، فالحاكم لا يستطيع أن يقول لشعبه أن الشريعة معطلة أو أنها في إجازة وراحة أو أن يحكم بغيرها أو أن يسن هذا المجلس أو ذاك قوانين لا تتأطر في إطار الشريعة الإسلامية، ولذلك فإن الدولة الإسلامية بحق دولة قانون لا دولة رجال، وأن مجالسها التشريعية مجالس تسن ما يلبي احتياجات الأمة من التشريع الذي يُستَنبط من الأدلة الشرعية.