للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[صلة المجالس التشريعية (نواب الشعب) بأهل الحل والعقد]

إن النظام النيأبي من الممكن أن يجد له سنداً في الفقه الإسلامي وفي فعل الصحابة رضوان الله عليهم نجد أساساً لذلك فهذا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه قد جعل اختيار الخليفة بعده إلى ستة فسمى علياً وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمن وسعدا (١) عرفوا بأهل الشورى أو أهل الحل والعقد. قال ابن سعد: فلما اجتمعوا قال عبدالرحمن: اجعلوا أمركم في ثلاثة نفر منكم، فجعل الزبير أمره إلى علي وجعل طلحة أمره إلى عثمان وجعل سعد أمره إلى عبدالرحمن بن عوف فأتمر أولئك الثلاثة حين جعل الأمر إليهم، فقال عبدالرحمن: أيكم يبرأ من الأمر ويحمل الأمر إلي ولكم الله علي ألا آلوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين فأسكت الشيخان علي وعثمان فقال عبدالرحمن تجعلانه إلي وأنا أخرج منها والله لا آلوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين قالوا: نعم. فخلا بعلي فقال إن لك من القرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله عليك لئن استخلفت لتعدلن ولئن استخلف عثمان لتسمعن ولتطيعن، فقال: نعم. قال وخلا بعثمان فقال مثل ذلك، فقال عثمان: نعم. فقال ابسط يدك يا عثمان، فبسط يده فبايعه علي والناس، (٢) ولم ينقل عن أحد من الصحابة اعتراض على ذلك فصار ذلك إجماعاً على جواز النيابة عن الأمة، وفي القصة ما يدل على جواز التمثيل النيأبي فقد حدث نيابة وتوكيل من ثلاثة منهم لثلاثة آخرين ثم نيابة وتوكيل من اثنين لواحد وصار في النهاية نائباً ووكيلاً عن أهل الحل والعقد ممثلي الأمة ليقوم بنفسه بالعقد نيابة عن الأمة (٣)، وفيه أيضاً ما يدل على جواز اختيار ولي الأمر أعضاء المجالس التشريعية أو مجلس الشورى وأنه يجوز أن يكون من مهام المجلس اختيار الحاكم رئيساً كان أو ملكاً أو خليفة وقد ذكر الفقيه الدستوري الماوردي أنه يجوز للخليفة أن ينص على الاختيار كما يجوز أن ينص على أهل العهد.

وقال الفقيه العالم أبو يعلى في أحكامه السلطانية: وهل للخليفة أن ينص على أهل الاختيار كما ينص على أهل العهد؟ قيل يجوز لأنها من حقوق خلافته (٤) وعلى ضوء ذلك فإن صلة مجالس الشورى والتشريع بأهل العقد هي صلة وثيقة كما سنبين ذلك ولكننا نود قبل أن نوضح ما قد يطرأ من لبس بين المسميات التي وردت في الفقه الإسلامي في المصطلحات الخاصة بتعيين أهل الشورى, فتارة يطلق عليهم أهل الشورى، وتارة يطلق عليهم أهل الحل والعقد أو أهل الاختيار، والمتبادر من استخدام هذه المصطلحات أنهم يقصدون الأشخاص أولي المكانة في الأمة المُتَبَعين فيها الذين يدين لهم السواد الأعظم من الناس بالزعامة والطاعة، لما اتصفوا به من العدالة والإخلاص والمعرفة الصائبة للأمور، سواءً أكانوا من أهل العلم أم السياسة أم الوجاهة (٥)، وقد ذكر الشيخ محمد عبده في توضيح أهل الحل والعقد أنهم علماء الأمة المجتهدون، وسائر الرؤساء والزعماء الذي يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح. (٦) ويقول عنهم الشيخ محمود شلتوت: هم أهل النظر الذين عرفوا في الأمة بكمال الإختصاص في بحث الشؤون وإدراك المصالح والغيرة عليها، وكانت إطاعتهم هي الأخذ بما يتفقون عليه في المسألة ذات النظر والاجتهاد أو بما يترجح فيها عن طريق الأغلبية أو قوة البرهان (٧). وبهذا تتضح الصلة بين مجالس الشورى وبين أهل الحل والعقد, فالظاهر أن أهل الحل والعقد هم ممثلوا الأمة وهم أهل الشورى فيها، فالذي يتبين من خلال بعض النماذج التطبيقية في عهد النبوة، إقرار فكرة نيابة أهل الرأي والوجاهة عن قومهم كما سلف بيان ذلك, وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد استشار من لهم الطاعة في قومهم ومن عُرف عنهم سداد


(١) - الطبقات الكبرى لابن سعد ج٣/ ١٨١.
(٢) - ابن سعد في الطبقات الكبرى ج٣/ ١٨١.
(٣) - النظام السياسي الإسلامي مقارناً بالدولة القانونية ص ١٧٢. والشورى والديمقراطية ص ١١١٨.
(٤) - انظر في ذلك الأحكام السلطانية في الولايات الدينية، تأليف أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي، دار الكتاب العربي - الطبعة الثانية ١٤١٥، ص ٤٧. والأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الحنبلي - طبعة دار الفكر ص ٣٧ وما بعدها.
(٥) - انظر حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ص ٢٣٤، وسعيد أبو جيب في مناهج الإسلام السياسي ص ٢٣٨ - ٢٣٩. ومنير البياتي في النظام السياسي الإسلامي ص ١٧٦.
(٦) - تفسير المنار تأليف السيد محمد رشيد رضا منشئ محلة المنار - الطبعة الثانية - الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان ج٣ ص١١.
(٧) - الإمام الأكبر محمود شلتوت - الإسلامية عقيدة وشريعة - الطبعة الثالثة عشر - دار الشروق ص ٤٤٣.

<<  <   >  >>