للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرأي، ولذلك اصطلح العلماء فيما بعد على تسميتهم بأهل الحل والعقد، والوقائع التي استشار فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل الرأي والطاعة من الصحابة رضوان الله عليهم كثيرة، وقد سبقت الإشارة إلى بعضها مثل استشارته أصحابه في غزوة بدر، واستشارته صلى الله عليه وآله وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة وهما سيدا الأوس والخزرج في مصالحة بني غطفان وأخذه بمشورتهما، وفي عهد الخلفاء الراشدين كان المستشارون هم رؤساء الناس المتبعون فيهم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما ذكر ابن القيم: كان إذا ورد عليه الخصوم أو عرضت عليه مسألة نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي قضى به، وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن لم يجد سنة سنها النبي جمع رؤساء الناس فاستشارهم فإذا أجمع رأيهم على شيء قضى به، وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك. (١)

وبهذا يتضح أن رؤساء الناس من العلماء في شتى المجالات وأفاضل المسلمين وأهل الاجتهاد والعدالة والأشراف والأعيان وأصحاب الاعتبار والتدبير هم من أطلق عليهم أهل الحل والعقد ومنهم تم اختيار عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عرفوا بأهل الشورى, ولكن ليس باعتبارهم هيئة تشريعية وإنما هيئة ناخبين للخليفة, وفي القصة ما يستدل به على جواز التمثيل النيابي. أما إطلاق أهل الحل والعقد على أهل الاجتهاد فهو من قبيل إطلاق الكل على الجزء ولهذا فإن الفقهاء قد اشترطوا شروطاً يجب توافرها في أهل الحل والعقد, فمنطق الحال يقتضي أن يكون جميع أهل الحل والعقد أو أكثرهم ممن لهم إلمام تام بالشريعة الإسلامية إذ الشورى مقيدة بألا تخرج على نصوص الشريعة القطعية ولا روحها التشريعية, وإذا كانت الحياة المعاصرة تتطلب تخصصات فنية في مجالات معقدة يصعب على غير المتخصصين ارتيادها، فإن الواجب أن يكون أهل الحل والعقد من المحيطين بالشريعة الإسلامية وبالعلوم والفنون والصناعات التي تحتاجها الأمة (٢)، كي تكون أهليتهم في تمثيل الأمة والنيابة عنها صحيحة.

ويمكن تلخيص ما يشترطه الفقهاء في أهل الحل والعقد في النقاط التالية:

١ - البلوغ والرشد.

٢ - الإسلام.

٣ - العدالة.

٤ - العلم والاجتهاد ولو في جزئية منه ما دام الاجتهاد يقبل التجزئة.

٥ - الرأي والتدبير والأمانة.

هذه هي أهم الشروط التي تناولها الفقهاء وهي ليست توقيفية بنص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما هي اجتهادات شخصية لبعض أهل العلم بنيت على تصورات الفقهاء لوظيفة أهل الحل والعقد في زمانهم, غايتها توفر الأهلية في أهل الحل والعقد الذي يدخل في مهامهم تمثيل الأمة في اختيار الحاكم وتزكيته والتشريع فيما فيه مصلحة للأمة مما لم يرد فيه نص, وسبق أن أشرنا إلى ما نقله الشيخ محمد عبده عن الشيخ محمد رشيد رضا, ونأتي على ما أتى عليه في تفسيره المنار قال -رحمه الله (٣) -: أنه فكر في هذه المسألة من زمن بعيد، فانتهى به الفكر إلى أن المراد بأولي الأمر جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين، وهم الأمراء والحكام والعلماء ورؤساء الجند وسائر الرؤساء والزعماء الذي يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة, فهؤلاء إذا اتفقوا على أمر أو حكم وجب أن يطاعوا فيه، بشرط أن يكونوا أمناء وأن لا يخالفوا أمر الله، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي عرفت بالتواتر، وأن يكونوا مختارين في بحثهم في الأمر واتفاقهم عليه، وأن يكون ما يتفقون عليه من المصالح العامة، وهو ما لأولي الأمر سلطة فيه ووقوف عليه, وأما العبادات وما كان من قبيل الاعتقاد الديني فلا يتعلق به أمر أهل الحل والعقد, بل هو مما يؤخذ عن الله ورسوله فقط ليس لأحد رأي فيه، إلا ما يكون من فهمه، فأهل الحل والعقد من المؤمنين إذا أجمعوا على أمر من مصالح الأمة ليس فيه نص من الشارع مختارين في ذلك، غير مكرهين عليه بقوة أحد ولا نفوذه فطاعتهم واجبة, ويصح أن يقال هم معصومون في هذا الإجماع ولذلك أطلق الأمر


(١) - إعلام الموقعين ١/ ٦٢.
(٢) - الإسلام وأوضاعنا السياسية للشهيد عبدالقادر عودة ص٢٢.
(٣) - أي الأستاذ الإمام , والكلام للسيد محمد رشيد رضا.

<<  <   >  >>