للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثالث

الشورى في الأمور العامة

[المبحث الأول: الشورى في التشريع]

المعلوم أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لعبادته وتوحيده، ولذلك فقد استخلفه الله لعمارة الأرض، قال تعالى (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (١) أي جعلكم عمَّارها وأناط بكم إدارة شؤون الحياة فيها وفق منهج الله تعالى، وذلك مما يتطلب سن التشريعات والقوانين فيما لم يرد فيه نص، فكان لا بد من توفر العلم والفهم والدراية والتشاور والتناصح، ومقتضى ذلك أنه لا بد من رد الأمور إلى أهل العلم والمعرفة والدراية بها امتثالاً للتوجيهات الربانية بقوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (٢) وقوله جل شأنه: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (٣) وقوله تعالى: (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (٤). ومعلوم أن مفهوم التشريع في الفقه الإسلامي يعني قيام المجتهدين باستنباط الأحكام من المصدرين الأساسيين القرآن والسنة، ومما أرشد إليه من مصادر أخرى كالاجماع والقياس والعرف والاستصحاب والمصالح المرسلة وسد الذرائع. ومن المقرر في الفقه الإسلامي أن عمل المجتهدين في مجال النصوص القرآنية والنبوية مقيد بحدود التفسير والتوضيح والتطبيق، أي أن عملهم يكون في فهم النصوص استشرافاً للمقاصد التي شرعت النصوص من أجلها وفي تطبيق هذه النصوص تحقيقاً لمقاصد الشريعة التي توخاها المشرع غايات للنصوص.

وأما عملهم فيما لا نص فيه، فيتمثل في استنباط الأحكام المحققة للمصلحة المعتبرة شرعاً معتمدين في ذلك على الأدلة التي أرشدهم وأحالهم إليها الشارع الحكيم، وإذاً لا بد في اختيار المجالس التشريعية ممن تتوفر فيهم الصلاحية والقدرة على القيام بالعمل التشريعي، وبدون ذلك لا يتحقق المطلوب من هذه المجالس إلا أن يختار لهم هيئات


(١) - الآية (٦١) سورة هود.
(٢) - الآية (٨٣) سورة النساء.
(٣) - الآية (٤٣) سورة النحل.
(٤) - الآية (١٤) سورة فاطر.

<<  <   >  >>