للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشورى في الفتح الأعظم]

إن فتح مكة يعتبر من أعظم الفتوحات بركة, فقد أعز الله به دينه ورسوله ودخل الناس به في دين الله أفواجاً وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجاً, وقد هيأ الله لذلك أسباباً حيث كان قد تقرر في صلح الحديبية أنه من أراد أن يدخل في عقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل, فدخلت بنو بكر في عهد قريش وعقدهم، ودخلت خزاعة في عقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعهده (١) , وكان بين خزاعة وبكر ترة قديمة وعداوة متوارثة ولما كانت الهدنة قد أدخلت القبيلتين في عسكرين متحاربين أراد بنو بكر أن ينتهزوا هذه الفرصة ليصيبوا من خزاعة الثأر القديم فبيت نفر من بني بكر لخزاعة وهم على ماء لهم فأصابوا منهم رجلاً وتناوشوا واقتتلوا وأعانت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم أشراف من قريش مستخفين ليلاً حتى حازوا خزاعة إلى الحرم فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر لبعض رجالهم إنا قد دخلنا الحرم الهك الهك فقال: كلمة عظيمة لا إله له اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم فلعمري أنكم تسرقون في الحرم فلا تجدون هذه الفرصة بعد ذلك (٢) , وخرج عمرو بن سالم الخزاعي وقدم على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فوقف عليه وهو واقف في المسجد بين ظهراني أصحابه فقال:

يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا

قد كنتم ولداً وكنا والداً ... ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصراً أبدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجردا ... أبيض مثل البدر يسمو صعدا

إن سيم خسفاً وجهه تربّدا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إن قريشاً أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعوا أحدا

وهم أذل وأقل عددا ... هم بيتونا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعاً وسجدا


(١) - انظرالسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ - ص ٣٣٢، والسيرة النبوية لأبي الحسن علي الحسني الندوي ص ٣٣٠، وزاد المعاد في هدي خير العباد ج ٣ - ص٢٩٨.
(٢) - انظر زاد المعاد ج ٣ - ص ٣٩٦. والسيرة النبوية لأبي الحسن علي الحسني الندوي ص ٣٣٦.

<<  <   >  >>