للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخروج فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيته فلبس لأمته (درعه) وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمر أحد بني النجار فصلى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم خرج عليهم وقد ندم الناس وقالوا استكرهنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن لنا ذلك فلما خرج عليهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله استكرهناك ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد صلى الله عليك. فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل) فخرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ألف من الصحابة. قال ابن هشام واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة. قال: ابن إسحاق حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد انخذل عنه عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الناس وقال أطاعهم وعصاني ما ندري على ما نقتل أنفسنا هنا أيها الناس. فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق والريب. قال ابن إسحاق: ومضى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي من الجبل فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال: (لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال) , وقد سرّحت قريش الظهر والكراع (١) بزروع كانت بالصمغة من قناة المسلمين (٢). فقال رجل من الأنصار حين نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن القتال: أترعى زروع بني قيلة (٣) ولمَّا نضارب وتعبأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقتال وهو في سبعمائة رجل وأمّر على الرماة عبدالله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو مُعلمٌ يومئذ بثياب بيض والرماة يومئذ خمسون رجلاً فقال: (انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتون من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك) (٤). وجاء في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (انضحوا الخيل عنا لا يأتون من ورائنا إن كانت لنا اثبتوا مكانكم لا نؤتين من قبلكم الزموا مكانكم لا تبرحوا عنه وإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل في معسكرهم فلا تبارحوا مكانكم وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدفعوا عنا وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم اللهم إني أشهدك عليهم) , ومما يجدر ذكره أن الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرى البقاء للقتال في المدينة ليقاتلوا فيها أنه رأى الرؤيا التي رآها وحدث بها المسلمين فقال: (إني قد رأيت والله خيراً رأيت بقراً تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلماً ورأيت أني أدخل يدي في درع حصينة فأولتها المدينة). (٥) وقد جاء في تفسير هذه الرؤيا أن البقر التي تذبح أنه يستشهد نفر من أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم وأن سيفه يثلم أي أنه يقتل رجل من أهل بيته فكان عمه حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله، وحصل ما حصل من القتل في أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم فقال بعض أصحابه منهم نعيم بن مالك بن ثعلبة وهو من بني سالم يا رسول الله لا تحرمنا الجنة فوالذي نفسي بيده لأدخلنها. (٦) وقال أبو سعد خيثمة وكان ابنه خيثمة قد استشهد في غزوة بدر لقد أخطأتني غزوة بدر وكنت والله حريصاً عليها حتى ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ويقول إلحق بنا ترافقنا في الجنة فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقاً إلى مرافقته في الجنة فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقتل شهيداً (٧). وقال عبدالله بن جحش يا رسول الله إن هؤلاء القوم قد نزلوا حيث ترى وقد سألت الله فقلت اللهم إني أقسم عليك ان نلقى العدو غداً فيقتلونني ويمثلون بي فألقاك مقتولاً قد صنع بي فتقول فيما صنع بك هذا؟ فأقول: فيك.


(١) - الظهر: الإبل , والكراع: الخيل.
(٢) - أرض كانت بالقرب من أحد.
(٣) - بنو قيلة هم الأوس والخزرج, وقيل أم من أمهات الأنصار.
(٤) - من ٦٨ إلى ٧٠ السيرة النبوية لابن هشام ج ٣.
(٥) - انظر الفتح الرباني وترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ج ٢١ - ص ٥٢.
(٦) - السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ - ص ٩٠.
(٧) - انظر زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم ج ٣ - ص ٢٨٠.

<<  <   >  >>