للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المذهب أو النظام أن تجدد المحلفين باستمرار وتنوعهم يجعلهم لا يتسمون بطابع الجمود المهني الذي كثيراً ما يؤدي بالقضاء إلى الوقوع في الأخطاء؛ لأن أعظم أهداف المجتمع هو إقامة العدالة والإخاء والمساواة, ولا يتم ذلك إلا بكفالة قضاء محايد يحمي الحرية والملكية، وإذا وضعت هذه السلطة بأيدي قضاة متخصصين ومنتقين من الصفوة ويمثلون الأقلية في المجتمع فإن قراراتهم على الرغم من سلامتها الفنية ستكون منحازة بصورة غير إرادية نحو مصالح طبقتهم، ومن ثم فإن قضاء المحلفين الذين يمثلون كل طبقات المجتمع يكون أقدر على تحقيق العدالة وحماية الحرية وصيانة الملكية (١).

والحال أن نظام المحلفين وإن كان في الواقع يشكل درعاً وسياجاً منيعاً يحمي أعراض القضاة ووظائفهم من الطعن فيهم بالتعصب أو الجهل أو الانحياز لطائفة من الناس أو الطعن بالرشوة أو غير ذلك, إلا أنه يؤدي أيضاً إلى البطء في التقاضي وإلى الالتواء على أدلة الإثبات التي حددتها الشريعة الإسلامية والقوانين المستمدة منها، ومن ثم التأثير على قناعة القاضي التي يجب أن تبنى من خلال ما يعرض عليه في مجلس قضائه من أدلة ومن ثم الحكم على خلاف مقاصد الشريعة الإسلامية أو بغير الأدلة التي يجب على القاضي العمل بها، ولئن كان من أهداف نظام المحلفين هو تمثيل الشعب على الصفة القانونية الذي اختارها ذلك النظام؛ إلا أننا نجد نظام الشورى في القضاء الإسلامي الذي يستمد من قول الحق تبارك وتعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (٢) وقوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (٣) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما تشاور قوم إلا هُدُوا لأرشد أمرهم) يؤدي نفس ذلك الغرض من المشاركة الشعبية لأهل الخير والصلاح والفضل والتقوى دونما تأثير على القاضي في إعمال الأدلة إذ الكل ملزمون بها ديانة وعقيدة وشريعة سواءً كان المشير في وزن الأدلة التي ترد إلى مجلس القضاء أو في فهم النص الواجب التطبيق, لأن الرأي الواجب الأخذ به والذي ينبغي للقاضي أن يحتاط لنفسه ولغيره ممن وضعت قضايأهم بين


(١) - انظر الأستاذ أحمد صفوة في النظام القضائي في انجلترا - ص ٥٤. والدكتور محمد كامل عبيد استقلال القضاء ص ٤٧٥.
(٢) - الآية ١٥٩ من سورة آل عمران.
(٣) - الآية ٣٨ من سورة الشورى.

<<  <   >  >>