أما قصة حاطب بن أبي بلتعة فقد كانت والرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال في المدينة والقصة مشهورة فلا حاجة إلى إيرادها هنا ويكفي الإشارة إليها بما يفهم منه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أعلم أهل بدر من المهاجرين والأنصار على خطته في الذهاب إلى مكة وما أجمع عليه الرأي من المسير إلى مكة، ولهذا نزل الوحي من السماء ينهى عن خيانة الله ورسوله وابتعث الرسول علياً والمقداد رضي الله عنهما لتفتيش المرأة التي ابتعثها حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش برسالة فيها إفشاء لسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما عزم عليه وأصحابه من غزو مكة عنوة، وقد كان من كرمه صلى الله عليه وآله وسلم أن عفى عن أهل مكة بعد أن أسلم أبو سفيان وهو على مقربة من مكة، وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له مزية وهو أن من دخل دار أبي سفيان كان آمن ومن أغلق داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن.
ويستفاد من فتح مكة العظيم أمور كثيرة ومنها:
الشورى على ما ذكره الدكتور أبو فارس نقلاً عن المصنّف لابن أبي شيبة وهو أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استشار أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في شأن الموقف وذلك لأنهما كانا وزيريه، ولأن سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو عدم الانفراد بالقرارات العسكرية المصيرية, بل دأبه أن يستشير أصحابه وأن يستمع إلى أقوالهم وأن يستفيد منها إلتزاماً بقول الله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) , ومما لا شك فيه أن فتح مكة كان مما وعد الله به رسوله، ويستفاد من هذه الغزوة وهذا الفتح العظيم الأمور التالية:
١) وجوب الاحتفاظ بالأسرار العسكرية خاصة في الأمور الهامة والاستعانة بالكتمان واتخاذ أسلوب الهجوم والمباغتة في الحرب بعد الاستشارة إذا لم يكن العدو معاهداً إلا إذا نقض العهد.
٢) استشارة أهل الفضل والصلاح والتخصص والاستقامة والرأي.
٣) العفو عند حصول القدرة لما ثبت في القصة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لقريش بعد أن دخل الكعبة وهدم الأصنام فخطب الناس وذكر الله وقال: (يا معشر