ولما وصل الكتاب إلى عمر رضي الله عنه جمع أهل العقد والحل واستشارهم في الأمر, فكان رأي عثمان أن لا يذهب الخليفة بنفسه إذ أن العدو لا بد أن يضطر للتسليم ما دام أصيب بالضعف والرعب، وكان رأي علي أن يصير الخليفة إلى فلسطين عملاً برأي قائده المحنك خشية أن ييأس العدو إذا رفضت شروطه المعقولة فيتمسك بحصنه أو يأتيه مدد من عدو آخر فيتغير الموقف وتنعكس الآية ويصيب المسلمين ضرر عظيم. وفي النهاية أخذ الخليفة برأي علي وسار إلى بيت المقدس بعد أن استخلفه على البلاد. (١)
وهذه النماذج تؤكد في عهد الخلفاء الراشدين والنبوة ضرورة الشورى وإلزاميتها, وأنه لا رشد ولا صلاح للأمة دون التمسك بهذا المنهاج. أما القوانين الوضعية في الدول العصرية فإن الدساتير تقرر حق القائد في اتخاذ القرار بإعلان حالة الطوارئ والحرب والتعبئة العامة, ولكنها تقيد حق اتخاذ القرار والمصادقة على ما يصدر بدعوة مجلس النواب أو الشورى أو الاستشاري فإذا لم يتم العرض على هذه المجالس تتم المصادقة خلال المدد التي يحددها الدستور. والقانون اليمني يحددها بسبعة أيام وإلا فإن حالة الطوارئ تزول ولا يجوز تمديد هذه الفترة إلا بموافقة مجلس النواب، ولا تكاد القوانين الوضعية تختلف على تقرير هذه المبادئ التي كانت الشريعة الإسلامية سابقة النظم الوضعية في ذلك.
(١) - الشورى بين الأصالة والمعاصرة لعز الدين التميمي ص ٩٦. نقلاً عن عارف العارف من المفصل في تاريخ القدس ٨٨، ٨٩.