للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجانبين شاورهم إيذاناً بأنهم أهل للمحبة الصادقة والخلة الناصحة, إذ لا يستشير الإنسان إلا من كان معتقداً فيه المودة والعقل والتجربة. (١)

قلت ويستفاد من الآية أنه ينبغي أن يكون من صفات المستشار أن يكون أميناً محباً صادقاً مؤمناً, إذ العدو لا يستشار, ومخالفة المشير لولي الأمر اجتهاداً أو ظناً للصواب في تلك المخالفة لا يقتضي حصول عداوة مانعة من الاستشارة ولا يقتضي الحقد على المخالف أو العزيمة على عدم مشاورته أو عدم مشاركته بالرأي في أمور الأمة إذا كان من أهل الرأي، ولهذا أمر الله رسوله بالعفو عن الصحابة فيما أخطؤوا فيه من مخالفته لأوامر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد ومسارعتهم إلى الغنيمة واختلافهم في الرأي مع أمرهم بالبقاء في جبل الرماة وأمره أن يستغفر لهم, لأن مخالفة النبي ومخالفة الأمير معصية لله لأن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢). وقد حذر الله المؤمنين من مخالفة الله ورسوله كما أن أصحاب الرأي يجب عليهم ألا يشيروا إلا بما فيه طاعة لله ورسوله وصلاح لشؤون الأمة, ألا ترى أن الحق سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٣) , وهي عامة في الرأي وغيره من الأمانات، وقد ورد في أسباب نزول هذه الآية أن أبا لبابة لما استشاره يهود قريظة فأشار عليهم بما فيه مصلحتهم شعر فوراً بهذه الفلتة الخاطئة ثم تاب منها وقبلت توبته (٤). ففي ذلك ما يفيد أن الشورى أمانة, وإنما شرعت لجلب المصالح المشروعة للمسلمين وصرف الأضرار والمحرمات عنهم لا أن تستخدم آراء المسلمين في إعانة عدوهم عليهم أو في إباحة


(١) - انظر التفسير الكبير المسمى البحر المبسط. تأليف أثير الدين أبي عبدالله محمد يوسف علي بن حيان الأندلسي القرطبي الحياني الشهير بأبي حيان. وبهامشه النهر الماد من البحر، وكتابه الدرر اللقيط من البحر المحيط ج٣ - ص٩٩. الطبعة الثانية - الناشر دار إحياء التراث العربي ١٤١١هـ - ١٩٩٩م.
(٢) - الآية ٥٩ من سورة النساء.
(٣) - الآية ٢٧ من سورة الأنفال.
(٤) - انظر الإمام ابن جرير الطبري في تفسير الآية في جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج٧ - ص٤٨١، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج٧ - ص٣٩٤.

<<  <   >  >>