ونحن لو فرضنا جدلاً أنه ليس في الشريعة الإسلامية ما يقرر بأن الأخذ بحكم الأكثرية واجب فإنه ليس هناك أيضاً ما يحرم ذلك في الشريعة, لذا نرى أنه من باب المصالح المرسلة أن نأخذ بمبدء الأغلبية, وبيان ذلك أنه في إلزام الحاكم برأي الأغلبية منافع عظيمة للأمة, إذ أنه يحول بين الحاكم وبين الاستبداد, ويجعل للرأي مكانة ومنزلة ولجمهور الشورى منزلتهم ومكانتهم ويعصم من الآراء الفردية المرتجلة التي قد تدمر الأمة بأسرها, فإن وجوب الشورى على الأمة الإسلامية يقتضي التزام رأي الأكثرية, والواقع أن الشورى لن يكون لها معنى إذا لم يؤخذ برأي الأكثرية وأما أن يستمع ولي الأمر لآراء جميع أهل الشورى ثم يختار ما يراه هو بنفسه بحرية تامة فإن الشورى تفقد معناها وقيمتها, وإذا قيل أن الشورى للاستنارة وظهور الرأي والصواب واحترام أهل الرأي والعلم وتطييب النفوس وتأليف القلوب فإننا نجيب بأن هذه المعاني هي من نتائج الشورى الملزمة، أما الشورى غير الملزمة فلا تحقق هذه المعاني وذلك كما يقول الجصاص (لأنه كان معلوم عندهم أنهم إذا استفرغوا مجهودهم إلى استنباط ما شوروا فيه ثم لم يكن ذلك معمولاً عليه لم يكن في ذلك تطييباً لنفوسهم ولا رفعاً لأقدارهم بل فيه إيحاشهم وإعلامهم بأن آراءهم غير مقبولة ولا معول عليها ولكانت المشورة مدعاة للفتنة والانقسام) , وأما القول بأن الفائدة هي في ظهور الرأي الصواب والمظنون في الخليفة أن يأخذ به, فيرد بأن ما أدرانا أن الخليفة غير الملتزم بالأكثرية إذا أخذ بغير الأكثرية أنه قد أخذ بالصواب, والسؤال هنا من الذي يقرر أن هذا صواب أم خطأ؟ وهل الخليفة الفرد أم الجماعة؟ كما أن مبدء المساواة الذي أكده الإسلام يجعل الخليفة واحداً من قادة المسلمين لا يختلف في ميزان الحق عنهم ما دامت صفات العلم والإخلاص والتقوى متساوية وما دام الناس في مثل هذه الحالات لا يستطيعون الجزم بأن هذا أفضل عند الله من ذاك, ولو كان الأمير غير ملزم برأي الأغلبية لكان هذا مدعاة لإلغاء رأي الأمة وإتلافاً لإجماعها وهي (أي الأمة) معصومة من الخطأ كما تقرر في الأصول, والأمير غير معصوم من الخطأ فكيف يحكم غير المعصوم على المعصوم, وإذا كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم