وبيان أن تعليمها يعتبر أساساً للعمل بها واتخاذها مبدء ومنهجاً وتطبيقها وفق منهج الله العادل, وغني عن البيان القول أن الشورى وممارستها يعتبر من أسما آيات الحضارات وأجلها لما فيها من الخير والنفع للكافة أفراداً وجماعات, فهي في الأمور الخاصة تقرب من السداد وتظهر المصلحة وتقود إلى الصواب، ولهذا أمر الله بالتشاور حتى في فطام الطفل, وهي في الأمور العامة تمثل عملاً سياسياً ضرورياً لنجاح الدولة في تدبير شؤون الأمة, وقد رأينا كيف كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتشاور مع أصحابه فيما لا نص فيه, وكيف كان الخلفاء يتشاورون, فهي بحق تشكل منهجاً حيوياً يتوقف عليه انتصار الحق في المجتمع والتزام السداد في شؤونه, كما يتوقف عليها احترام العقل في الدولة واحترام الإنسان في ظلها, ويستفاد مما أتينا على بيانه من الشورى في التشريع وفي القضاء وفي الوظائف أن الشورى تعتبر من أهم الضمانات لصيانة حقوق الإنسان واحترام آدميته، وأن الشورى تمثل أهم ضمانة سياسية لاستقرار الدولة وحمايتها من عوامل الضعف والوهن, وهي سبيل رئيس لسلامة المجتمع من الفوضى وكبح جماح النفس عن الهوى, وفيها مصالح عظيمة أشرنا إليها وفصَّلها الكثير من العلماء, وهي تقي الكثير من المفاسد والمهالك المعطبة، وبذلك نأتي على ملخص لهذه المصالح زيادة في البيان مما يجعلها تستقر في الأذهان, ولتكون مسك ختام مع إيجاز للمفاسد المترتبة على تركها:
المصلحة الأولى: ظهور الحق والصواب في الغالب, فمعلوم أنه إذا كان الغرض من الشورى هو طلب الحق, فإنه مع عرض الآراء بحرية تامة وتجرد المستشارين عن الهوى ستكون النتائج بعد ظهور الصواب سديدة والعواقب حميدة, وفي ذلك مصلحة تعود على الراعي والرعية وعلى الأمة كلها.
المصلحة الثانية: استفادة المتشاورين فيما بينهم من بعضهم البعض, فقد سبق أن أشرنا إلى أنه من أعظم منافع الشورى وفوائدها تلاقح الأفكار والاطلاع على ما عند الآخرين والاستفادة من تنوع الخبرات, وفي ذلك مصلحة للجميع بل إن في ذلك حصول التكامل الاجتماعي.