للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكر رضي الله عنه كانت فلتة فتمت، وأنها وإن كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو، ولا الذي بايعه. (١)

وقد ظل هذا الفهم الشرعي لواقع المشورة وأنها أخذ الرأي الملزم فقط عند المسلمين بعد ذلك فإن الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لما ولي الخلافة خطب في المسلمين قائلاً: (أيها الناس ... إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي مني ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم) ومن يدقق في هذه النصوص يجد أن لفظ المشورة قد اقترن بالرأي الذي يرشد إلى عمل من أجل القيام به والذي لا بد أن يرجع فيه للمسلمين، وأن المرجح فيه إنما هو رأي الأغلبية، فانتخاب رئيس الدولة والقيام بعمل التاريخ الهجري، إنما ذلك من قبيل أخذ المشورة التي جرت يوم أحد, فهي أخذ الرأي على سبيل الإلزام، وقد درج العلماء في كتبهم على إطلاق لفظ المشورة على الشورى التي يكون الرأي من أجل القيام بعمل من الأعمال، أي على سبيل الإلزام, فقد وضع ابن هشام في السيرة عنواناً للشورى التي جرت يوم أحد (مشاورة الرسول القوم في الخروج أو البقاء (٢) , ونفس الأمر يفهم من عبارة الإمام الشافعي في قوله: (في المشاورة رضا الخصم والحجة عليه) (٣) , فقد جعل الحجة في المشورة ونص عليها ولم يقل في الشورى، وقد وضّح ذلك كثير من العلماء إذ أطلقوا لفظ المشورة على أخذ الرأي على سبيل الإلزام فقط فتكون الشورى عامة في كل رأي, والمشورة خاصة في الرأي الملزم الذي يجب على رئيس الدولة أن يلتزم به (٤). أما الديمقراطية فهي ما نأتي على بيانه.


(١) - السيرة النبوية لابن هشام - حققها وضبطها ووضع فهارسها مصطفى السقا وإبراهيم الأنباري وعبدالحفيظ شلبي - الناشر دار إحياء التراث- بيروت - ج٤ - ص ٣٠٨.
(٢) - السيرة النبوية لابن هشام ج٣ - ص ٦٧.
(٣) - الأم ج٧ - ص ٨٦.
(٤) - نظام الشورى في الإسلام - تأليف الدكتور عمر الخالدي - مكتبة الرسالة الحديثة - عمان الأردن - الطبعة الأولى سنة ١٤٠٦هـ.

<<  <   >  >>